فهناك يعرض للخلاف بين الفقهاء والحُسّاب في طريقة حساب الخسائر، فيقول: " وإن باعه بخسران (ده يازده)، فالذي ذهب إليه جمهور الفقهاء أن العشرة تجري أحد عشر، ونحط منها جزءاً.
والذي رآه الحُسّاب أن لفظ خسران (ده يازده) معناه نقصان عُشرٍ تام، وهو نقيصة درهم من عشرة.
والذي ذكره جماهير الفقهاء متَّجهٌ في اللفظ، ولا وقع لهذا في الباب الذي نحن فيه؛ فإن هذا الباب ليس مُداراً على الألفاظ ومعانيها، وإنما هو مدار على ما يقع ".
تأمل قوله: " مدار على ما يقع "، فهو يرعى اصطلاح الناس، وواقعهم، والمعنى الذي يفهمونه من ألفاظهم ومصطلحاتهم، وإن خالف مدلول الألفاظ ومعانيها.
ثم هو يجري في بابٍ على ما يليق به، ففي باب الطلاق والخلع يدير الباب على معاني الألفاظ ومدلولاتها، حيث لا يوجد ما يخرجها عن ذلك.
* وربما كان من ذلك تنبيهه إلى رعاية العرف وتحكيمه، من مثل قوله: " ومن لم يمزج العرف في المعاملات بفقهها، لم يكن على حظٍّ كاملٍ فيها " وقوله: " والتعويل في التفاصيل على العرف، وأعرف الناس به أعرفهم بفقه المعاملات ".
* ويعد من هذا الباب -البصر بالواقع- أيضاً ما قاله عند الحديث عن الكفاءة في النكاح، وقد جعل منها الانتساب إلى شجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى العلماء وإلى الصالحين، ثم استثنى الانتساب إلى عظماء الدنيا، فقال:
" فأما الانتساب إلى عظماء الدنيا -وجماهيرهم ظلمة، استولَوْا على الرقاب، فهم يُعظَّمون رغبة ورهبة، والشرع بائح بحط مراتبهم في الدين- فلا تعويل على أنسابهم، وإن كانوا قد يتفاخرون بها ".
فهذا يوحي، بل يشهد وينطق بأنه يعيش واقعه، وأنه غير راضٍ عن واقع الحال الذي استولى فيه الظلمة على الرقاب.