والوجه عندي في زمان الخيار أن القاضي لا يلزمهما أن يتحالفا، لو ادَّعَيا ورأيا أن يتحالفا، عَرَض الأيمانَ عليهما، ونظرنا إلى ما يكون من أمرهما.
وهذا مشكل أيضاًً؛ فلا عهد لنا بيمين يتخيَّر المرءُ فيها. فهذا منتهى الأمر.
وقصاراهُ موافقةُ القاضي.
ولستُ أخلي هذا الكتابَ عن طريق المباحثة -مع التمكن من الاقتصار على نتيجة- حتى يتدرَّب الناظر في مسالك البحث.
ثم الذي يقتضيه مساق هذا الأمر أن تحالف المتعاملَيْن (١) في القِراض قبل الخوض في شيءٍ من العمل لا معنى له. ويعن فيه شيء آخر، هو أن نجعل نفس التناكر تفاسخاً. وستأتي نظائر ذلك؛ فإن الشافعي نص على أن دعوى الرجعة من الزوج في مدَّة الرجعة رجعة، وهذا كلام يطول. وسيأتي في موضعه، إن شاء الله.
نعم إذا عمل المقارض، فيعود النزاع إلى مقصود الأخير في دفعه من أجرِ (٢) مثل أو ربح.
فهذا غايةُ القول في ذلك.
ثم نختتم الفصلَ ونقولُ: جريانُ التحالف في البيع لا يتوقف على قيام المبيع، بل يجري بعد تلفه، فإن معتمدَهُ العقد، والعقد لا يزول بتلف المبيع في يد المشتري، والخلاف مشهور مع أبي حنيفة (٣) رحمه الله.
وكما لا يتوقف التحالف على بقاء المبيع، لا يتوقف على بقاء المتعاقدَيْن، فلو ماتا، أو مات أحدُهما، خلف الوارثُ المورُوثَ، وجرى التحالفُ. والتعويل على ما ذكرناه من بقاء العقد؛ فإنه باقي في حقوق الورثة.
(١) في الأصل: للعاملين.
(٢) في الأصل، و (هـ ٢): لا خير في دفعه من أجر ...
(٣) ر. مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ١٢٦، مسألة رقم ١٢٠٣.