ونقل بعضُ من يوثقُ به طريقةً أخرى معزيّةً إلى طريقة القاضي، وهي أن القاضي يقدّم منهما من يؤدي اجتهادُهُ إلى تقديمه.
وهذا كلام في ظاهرهِ ركيك، من جهة أن القُضاة في الوقائع كلِّها يقضون باجتهادِهم وإنما الكلام كلّه في ذكر وجوه الاجتهادِ. فإذا تعدّينا تقديمَ جانب، فذكر اجتهاد القاضي لا معنى له. والظن أن المراد بهذا تخيّر القاضي، ولكن المعلِّق عنه لم يرَ التّخيُّرَ (١) في الوقائع، فحمل هذا على الاعتقاد في ردَّ الأمر إلى الاجتهادِ.
فهذا استقصاءُ أقوال الأصحاب في البداية.
٣٢٦٤ - ووراء ذلك نظر وبحثٌ عندنا. فنقول: إذا تبايع رجلان عبداً بجاريةٍ، واشتمل العقدُ على عوضين من الجانبين، فلا ينبغي أن يظن ظانٌّ أن جانباً يقدَّم على جانبٍ، وقد تبادل المتبايعان عوضين، وآلَ النزاعُ إلى زيادةٍ يدَّعِيها كلُّ واحدٍ على صاحبه، والمدعَى عليه ينفيها، ويدعي زيادةً. وإنما الكلام في البداية. وموقعُ النصوص فيه إذا كان الثمنُ في الذمّة، وكان المبيع عيناً أو جنساً مقصوداً، كالمسلَم فيه؛ فإنّ منشأَ الكلامِ في البدايةِ ما (٢) قدَّمناه في توجيهِ القولين على طريقةِ من يُجري النصوصَ على قولين.
وإذا فرض الكلام في مبيع مقابَلٍ بثمنٍ في الذمَّة، فميل النص إلى البدايةِ بالبائع.
والتسويةُ بين الجانبين - وإن كان منقاساً، فهو إضرابٌ عن النص بالكليّة، والتخريج على خلاف النص يبعد إلحاقُه بالمذهب، فما الظنُّ (٣) بالإعراض عن النص بالكلية.
والذي أراه في ذلك أن التحكم بالتقديم بعيدٌ. وإذا كنا نقرعُ عند التَّساويَ، فالاستمساكُ بمتعلَّقٍ أولى من تحكيم القُرعة.
ثم نص الشافعي يشير إلى تثبيت مقصود العقد، كما قدمناه وهذا النص، ينطبق على ما سنَذكرُه في الفصل الثاني، وهو الاكتفاءُ بيمين واحدة تشتمل على النفي
(١) في (هـ ٢)، (ص): التخيير.
(٢) في الأصل: وما قدّمناه.
(٣) في الأصل: فما للظن.