بعضهم أنهم لا يجبران، ولكن من تبرع منهما بتسليم ما عليه أُجبر حينئذٍ صاحبُه على تسليم ما عنده. وحكى عن بعض العلماء أنه يُجبَر البائع.
والمزني لم ينقل هذه الأقاويل، ولم يصفها، واختلف أصحابُنا: فمنهم من جعل هذه المذاهب أقوالاً للشافعي.
ومنهم من خرَّج معها قولاً رابعاً، وهو أنه يُجبَر المشتري على التَّسليم ابتداء.
وهذا مخرَّج من نصّ الشافعي في الصداق؛ فإنه أجبر الزوجَ على البدايةِ بتسليم الصداق، وهو في مقام المشتري.
ومن الأئمة من قال: مذهب الشافعي أن البائعَ يجبر على البداية بالتسليم.
والشاهد له ما نقله المزني، حيث قال: الذي أحَبَّ الشافعي من أقاويلَ وصفَها، أن نأمر البائعَ بدفع السلعةِ إليه (١)، ونجبر المشتري على دفع الثمن من ساعته.
ومن أصحابنا من قال: ميلُ الشافعي إلى أنهما يُجبران معاً؛ لأن المزني نقل في آخر الفصلِ عن الشافعي أنه قال: " لا ندع الناس يتمانعون الحقوق ونحن نقدر على أخذها منهم ".
٣٢٨٨ - والطريقة المشهورة إجراءُ أربعة أقوال، وعدُّ جميعها من المذهب، ونحن نوجهها.
فمن قال: إنهما يجبران، احتج بأن كلَّ واحدٍ منهما طلب من صاحبه مقصوداً بعوضٍ يبذله له، والإنصاف التسويةُ بينهما، من غير تخصيص أحدٍ بمزيةٍ، ومقتضى ذلك إجبارهما. وهو كما لو كان له دينٌ على إنسانٍ، ولذلك الإنسان عنده عينٌ غصبها.
ومن قال: لا يجبران، احتج بأنهما أنشآ العقدَ على التراضي بينهما، فيجب أن يدوم هذا الحكم؛ فإن أحدهما لم يلتزم شيئاً إلا بعوض، ومراعاةُ التسوية حق، كما ذكرناه، فالوجه أن يقال: من تبرع بالبداية، فقد وفَّى ما عليه، فيصير ماله بعد هذا حقاً متجدداًَ.
(١) في الأصل: " يدفع إليه السلعة ".