والسبب فيه أن التعويل على العِيان في هذا البيع، والعِيان ليس مفيداً إحاطة، فكان كَلَا عِيان، والجهالة مفسدةٌ للعقد.
وقال شيخي أبو محمد: البيع في مثل هذا مخرَّج على قولي بيعِ الغائب، ولا وجه (١) للقطع بالفساد. وهذا الذي ذكره صحيح لا شك فيه.
ومن أفسد البيع من أصحابنا فرَّع قولَه على منع بيع الغائب. ولا يُظن بمن يرجع إلى تحقيقٍ يخرّج بيعَ الغائب فيه إذا قال البائع: بعتك الثوبَ الذي في كُمّي على قولين، مع القطع ببيع السمن في الظَّرف الذي يُظن اختلاف أجزائه.
والذي يبيّن الغرضَ في هذا الفصل أن العِيان إذا أفاد الإحاطةَ بالجوانب، ولم يُبن خلافَ ذلك، فهو إعلام، وإن كان العيان لا يفيد الإحاطةَ في الحال، كما ذكرناه في الظرف المشكل. فالوجهُ إلحاق ذلك ببيع الغائب.
وإن بني العقدُ على عيانٍ يثير غلبةَ الظن بالإحاطة، ثم يتبين أمر يخالف هذا: كالرجل يشتري صُبرةً، ويظنها على استواءٍ من الأرض، ثم يبينُ في خَلِلها دِكّة (٢)، أو كما اشترى فاكهةً متساويةَ الأجزاء في قرطالة (٣)، يحسبها ملءَ القِرطالة، فيبين في أسفلها حشوٌ، الصحيح الحكمُ بالصحة في هذه المسائل، مع إثبات الخيار للمشتري؛ فإن العيان أشعر بظنٍّ في الإعلام، فاعتمده العقدُ، ثم لما بان خلافُ المظنون، اقتضى ذلك الخيارَ.
وكان شيخي أبو محمد يُلحق هذا القسمَ ببيع الغائب أيضاً. ويقول: إن ظننا إفادَةَ العيانِ علماً، فقد تبيَّنا بالأَخَرة خلافَ ذلك، فليقع التعويل على المعلوم آخراً، لا على المظنون أولاً.
(١) في (ص): والأوجه القطع بالفساد.
(٢) ساقطة من (هـ ٢).
(٣) القِرطالة: عِدْل حمارٍ، والقِرْطل سلة من العنب. قيل معزبة عن اليونانية، وقيل عن الفارسية (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة) وعِدْل الحمار هو ما يوضع على ظهره لتوضع فيه البضائع والأمتعة، والعِدْل المثل والمساوي، وسمي ما يوضع على ظهر الحمار بذلك لأن له ظرفين متعادلين؛ حتى يستقر الحمل على ظهره، ولا يميل.