وكذلك اختلف أصحابنا فيه إذا باع الرجل بيتاً من داره، ولم يتعرض لإدخال حق الممر في العقد، ففي صحة البيع التفصيلُ الذي ذكرناه، بناءً على أن الإطلاق هل يقتضي حقَّ الممر.
ومما يتم به البيان أنه إذا عيّن مقداراً مشكَّلاً من وسط الأرض. وِقلنا: يثبت للمشتري حقُّ المرور، وكان الممرّ يُفرض من الجوانب؛ فالوجه إثباته من جميع الجوانب؛ إذ ليس جانب أولى من جانب. وحقيقة هذا يرجع إلى أنا نُثبت للمشتري في تلك القطعة ما كان ثابتاً للبائع قبل البيع، من حق الممر.
ولو قال بعتك هذه القطعةَ بحقوقها، فحق الممر من الجوانب يدخل في استحقاق المشتري، فكذلك المطلق عند هذا القائل محمول على ما يقتضيه إطلاق شرط الحقوق.
وإن كان الشكل المقدّر متاخماً للشارع، فالذي يقتضيه كلام الأصحاب أنه لا يثبت للمشتري حق طروق الملك بل ممرُّه إلى صوب الشارع؛ والسبب فيه تنزيل العقد على موجب العرف، وليس من موجبه أن يتردد المشتري فيما أبقاه البائع لنفسه إذا كان طرف من المبيع متصلاً بالشارع.
ولو كان يتصل طرف من المبيع بملكِ المشتري، فالظاهِر أنه لا يملك طروقَ ملك البائع، بل ينزل العقدُ على اكتفاء المشتري بأن يوسع بالمبيع رَبْعَه والممر من ملكه القديم إلى ما اشتراه الآن.
فلو قال البائع في هذه الصورة الأخيرة بعتك هذا المقدارَ بحقوقه، فالوجه أن يستحق المشتري طروقَ ملك البائع. وإذا كان مُطلقاً، فالظاهِر ما ذكرته. وفيه احتمال. والعلم عند الله تعالى.
ولو قال بعتك هذه القطعةَ، وكانت محفوفةً بما أبقاه لنفسه، وشرط في البيع ألا يكون له إلا ممرٌ واحد، فإن عيّنه، جاز. وإن أبهمه، فالوجه الحكم ببطلان العقد؛ فإن الجهالة في الحقوق مؤثرةٌ في العرف تأثيرَ الجهالة في المعقود عليه، فإنا لو لم نفعل هذا، وصححنا العقد، لكان بعده نزاعٌ في صوب الممر، وكنا لا ندري من المتبع. والعلم عند الله تعالى.
هذا تفصيل القول في أطرافِ هذا الفصل.