في وصف الفتن: " كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل " اهـ.
علق ابن الصلاح على ذلك قائلاً: " ذكر شيخُه (أي إمام الحرمين) أنه حديث صحيح، ولا اعتماد عليه في هذا الشأن، ولم أجده في الكتب الخمسة (١) المعتمدة " ا. هـ مشكل الوسيط (ورقة ١١٨ ب) (٢).
ويحسن هنا أن نأتي بعبارة إمام الحرمين بتمامها، حتى نرى كيف اجتزأ منها ابن الصلاح هذه الفقرة، وحكم عليها هذا الحكم، قال إمامنا: " وحاصل المذهب في أصل التمهيد قولان:
أحدهما - أن الاستسلام غير جائز؛ فإن المهجة المصول عليها محترمة، والشخص الصائل ظالم ساقط الحرمة؛ فيجب إيثار الذَّب عن المهجة المحترمة؛ ولا يسوغ بذلها لشخص ساقط الحرمة.
والقول الثاني - يجوز الاستسلام، ومعتمده الأخبار الصحيحة، منها ما روي عن حذيفة بن اليمان: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ما سيكون من الفتن، فقال حذيفة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أدركني ذلك الزمان؟ فقال: " ادخل بيتك وأخمل ذكرك " فقال: أرأيت لو دخل بيتي؟ فقال: إذا راعك بريق السيف، فاستر وجهك، وكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل " وفى بعض الأخبار: " ولتكن خيرَ ابني آدم " عَنَى صلى الله عليه وسلم قابيل وهابيل.
وصح عن عثمان رضي الله عنه أنه استسلم يوم الدار، وقال: " لا أحب أن يراق فيّ محِجمة دم ... " (٣).
ونلاحظ أمرين: ١ - أن إمام الحرمين لم يستشهد بحديث واحد، ولم ينسب له الصحة بعينه.
٢ - أن الإمام ابن الصلاح حكم على العبارة المجتزأة التي لخصها الغزالي من كلام شيخه
(١) الكتب الخمسة المعتمدة: هي البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. وهذا اصطلاح خاص بابن الصلاح (ر. مقدمة ابن الصلاح: ٥٨٥).
(٢) هامش الوسيط: ٦/ ٥٢٩.
(٣) نهاية المطلب: الجزء ١٧ من مخطوطة (هـ) ورقة ١٢٠ يمين (تحت الطبع).