متضمنا إذناً في القبض. والقول الثاني - وهو القياس أنه لا بد من الإذن في القبض في المسألتين؛ فإنه لم يَجْر له تعرض، واليدُ السابقة كانت يدَ وديعة أو يداً عن جهة أخرى.
ومن أصحابنا من أقر النَّصين في الرهن والهبة قرارَهما، وشرط الإذن في القبض في الرهن، ولم يشترط ذلك في الهبة. وفرق بينهما بالقوة والضعف، فالهبة مملِّكة والرهن مقصوده إثباتُ اختصاص.
فإن قلنا: لا بد من الإذن، فالعقد قبل الإذن على الجواز، وهو رهن غير مقيدٍ بالقبض، وإذا جرى الإذن، لم يحصل القبض بمجرد الإذن أيضاً، حتى يمضي من الزمان ما يتأتى فيه القبض، وهو زمان يسع الرجوع إلى موضع الوديعة.
وعلة هذا أنا نريد أن نجعل دوام اليد كابتداء القبض بالإذن، ولا أقل من أن يجري زمنٌ يُتصوّر فيه ابتداء القبض لو أُريد ذلك.
وإن جعلنا نفسَ العقد إذناً في القبض، فلا بد وأن يمضي من وقت العقد زمان يسع إمكان الإقباض بتقدير الرجوع إلى المكان الذي به العين. وقد اتفقت الطرق على اعتبار الزمان.
قال الشافعي: " لو كان في المسجد والوديعةُ في البيت، لم يكن قبضاً حتى يصير إلى منزله الذي هو فيه " (١).
فإذا ثبت اعتبارُ مضي الزمان، فهل يشترط حقيقةُ الرجوع من القابض، ومعاينة العين، فعلى وجهين: أحدهما - لا يشترط ذلك، بل يكتفى بمضي زمان إمكان الرجوع؛ فإن الأمر مبني على استدامة، لا على ابتداء فعل. والذي يليق ثَمَّ بالاستدامة الاكتفاء بزمان الرجوع.
والوجه الثاني - أنه لا بد من الرجوع حتى يصير الدوام مع الثقة بوجود العين بمثابة افتتاح إقباض. ونصُّ الشافعي دليل عليه؛ فإنه قال: " لو كان في المسجد والوديعةُ في البيت، لم يكن قبضاً حتى يصير إلى منزله ".
(١) ر. المختصر: ٢/ ٢١٠. وعبارته: " ... حتى يصير إلى منزله وهي فيه ... إلى آخره".