غموضَ هذه المسألة فليس من الفقه (١) في شيء؛ فإن ضمان الغصب سببه عدوانُ الغاصب. وقد انقطع العدوان بالإذن في جهة غير مضمِّنة.
ولو أودع العينَ المغصوبة عند الغاصب، فقد ظهر اختلاف الأصحاب في انقطاع ضمان الغصب، فمنهم من قال: لا ينقطع ما لم تتبدَّلُ اليد. ومنهم من قال: يزول ضمان الغصب؛ فإن الائتمان مقصود في الإيداع، وليس الائتمان مقصوداً في الرهن، بل مقصوده التوثيق. ثم الأمانة من موجَبه ومقتضاه.
٣٥٥٠ - ولو أجر المالك العين المغصوبة من الغاصب، والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، فهل يُقضَى بأن المغصوب ينقلب أمانة في يد الغاصب بالإجارة؟ فعلى وجهين مرتبين على الوجهين في الإيداع. والإجارة أولى بأن لا تُسقط ضمان الغصب؛ لأن الائتمان ليس مقصوداً فيها.
ولو وكل المالكُ الغاصبَ بالبيع فإن استحفظه في الحال مودَعاً، ثم أذن له في البيع إذا وجد طالباً، فالاستحفاظ إيداع، وقد مضى الكلام فيه. وإن لم يجر استحفاظٌ، فالوكالة المطلقة في البيع نازلةٌ منزلة الإجارة؛ لأن الائتمان غيرُ مقصود فيها، بخلاف الإيداع؛ وكانت الوكالة من هذه الوجوه كالإجارة.
ويجوز أن يقال: الوكالة المطلقة أولى بأن لا تُبطل ضمان الغصب؛ من قِبل أن الإجارة في ضمنها تسليط القبض والإمساك، والتوكيل في البيع ليس كذلك، فيتجه ترتيب الوكالة المطلقة على الإجارة.
فإن قيل: اعتمدتم في ترتيب المذهب أن الأمانة ليس مقصوداً في الإجارة، وإن كانت الأمانة من حكمها، فهلاّ نزلتم الرهنَ منزلة الإجارة؛ فإن الرهن في وضعه لا يقتضي ضماناً كالإجارة؟
قلنا: نود لو كان كذلك، ولكن لم نطلع في هذا على خلافي للأصحاب معتبرٍ، والاعتبار بما يُجريه أئمةُ النظر في مسائل الخلاف، إذا كان لا يستند إلى أصل في المذهب من طريق النقل.
(١) في الأصل: المسألة.