ثم الإذن المجرّد لا يرفع عقد الرهن، حتى يتصل بوقوع التصرف.
وللمرتهن أن يرجع قبل التصرف عن إذنه. وإذا أذن في الهبة والإقباض، فوهب الراهن، ورجع المرتهن عن الإذن، لم يملك الراهن الإقباضَ، ولو أذن في البيع من غير تعجيل حق ولا شرط جَعْل الثمن رهنا، فباع الراهن على شرط الخيار، فقال المرتهن رجعت عن الإذن؟
الذي ذهب إليه المحققون أن رجوعه لا ينفعه، وللراهن إلزام العقد، وقطع الخيار، كالهبة مع القبض، وذلك لأن القبض ركنُ العقد فيه (١). وهو ينزل منزلة القبول من الإيجاب، وكأن الهبة عدلاً والوفاء بها الإقباض، والبيع مبناه على اللزوم والخيار دخيل فيه، فهو مفوّض إلى من له الخيار.
ولو أذن في الوطء فوطىء، ولم يتفق العلوق، فحق الرهن باق؛ فإن الوطء لا ينافي الرهن، وإنما ينافيه العلوق، وثبوت الاستيلاد. فلو لم يأذن إلا في وطأة، فلم تَعْلق، فلا يعود الراهن إلى الوطء. ولو كان أذن في جنس الوطء، ثم رجع عن إذنه، تعين على الراهن أن يمتنع.
٣٥٧٢ - ثم فرض الشافعي والأصحابُ صوراً في اختلاف الراهن والمرتهن في الحكم الذي نحن فيه. ونحن نرسم مسائل تستوعب الغرض.
فمنها أن يختلفا في أصل الإذن، فيقول الراهن: أذنت في الوطء، وأنكر المرتهن، فالقول قول المرتهن مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الإذن.
ثم إذا كان أولدها وجرى الخلاف كما وصفناه، وحلف المرتهن، عاد التفريع إلى وقوع الاستيلاد. والأولى تفريع صور الخلاف على أن الاستيلاد لا يثبت على استبدادٍ. فإن نكل الراهن عن يمين الرد، فأرادت الجارية أن تحلف لمكان حقها من عُلقة الحرية، فهل لها ذلك؟ على وجهين ذكرهما العراقيون: قالوا: والأصح أنها لا تحلف؛ فإنها ليست بمتأصلة في الحق، وإنما يثبت أمرها تبعاً، والأيمان لا تعرض على الأتباع، ولذلك لا يحلف الوكيل، وسنذكر نظائر ذلك في كتاب
(١) في (ص)، (ت ٢): ففيه. (والضمير هنا يعود على البيع).