وقرّر القاضي في هذا كلاماً، وقال: من لا يعلم حكم الإسلام تحريم هذا الوقاع فكأن لا شبهةَ ولا بصيرة. ثم قال: إذا زنى مجنون بعاقلة، فالقول في النسب يجب أن يخرّج على هذين الوجهين، فإن المجنون ليس ممن يدري، وليس ممن يتصف بنقيض الدراية، والشبهةُ إنما تثبت في حق من يعذر بظنٍّ وهو (بصدد) (١) الدراية، وعليه يخرّج عندي الخلاف في عمد المجنون في القتل؛ فإن إلحاقه برتبة المخطىء لا وجه له وإقدامُه معلوم حساً. وهذا لائح في المجنون. فأما إلحاق عاقل جهل التحريم -ومن الممكن أن يعرفه- بالمجنون، فبعيد. فأما المهر، ففيه تردد للأصحاب؛ من جهة ضعف الشبهة، وأنها لم تورِث حرمة، والأصح ثبوت المهر.
هذا كله إذا وطىء المرتهن من غير إذن الراهن.
٣٥٧٧ - فأما إذا وطىء بإذن الراهن، فإذا كان عالماً بالتحريم، لزمه الحد في ظاهر المذهب.
وقيل: لا حدَّ عليه لشبهة الخلاف؛ فإن عطاء بن أبي رباح، كان يجوّز إعارة الجواري، وكان يبعث بجواريه إلى ضيفانه، فلينتهض مذهبُه شبهة في درء الحدّ.
وهذا ليس بشيء؛ فإن الحد لا يدرأ بالمذاهب، وإنما يدرأ بما يتمسك به أهل المذاهب من الأدلة، ولا نرى لفظاً في هذا متمسكاً، ولا أصل لهذا الوجه.
فإن قلنا: لا حد، فالكلام في النسب وحرية الولد على ما قدمناه في حق من وطىء من غير إذن وادّعى الجهل بالتحريم.
وإن أوجبنا الحد، فلا نسب، والولد رقيق.
وإن ادعى الجهل بالتحريم عند إذن الراهن، فالدعوى في هذه الصورة أظهر.
واتفق الأصحابُ على أنه يتعلق بها دفع الحد، وثبوت النسب، وحريةُ الولد.
ولا تصير الجارية أم ولد، وإذا ملكها يوماً من الدهر، ففيها القولان المشهوران. وأما المهر، فقد اختلف قولُ الشافعي في وجوبه، فقال في قول: لا يجب؛ لأن الإذن من
(١) كذا في النسخ الثلاث، والمعنى أن الشبهة تكون عن ظن خاطىء ممن هو بصدد الدراية، أي من أهلها، والله أعلم.