أن توجد بعده. فجواز الرهن يخرّج على قولي رهن العبد المعلق عتقه بصفةٍ يجوز أن توجد قبل المحل، ويجوز أن تستأخر.
ومن أصحابنا من قال: يجوز رهن المدبر قولاً وَاحداً. وهذا هو القياس؛ لأن التدبير إن كان وصية، فالرهن جائز، وإن كان عتقاً بصفة، فهو محسوب من الثلث.
وحق المرتهن من رأس المال، فهو مقدَّم على ما يحسب من الثلث، غاية ما يُقدّر (١) أن يموت من عليه الدين، ولا يخلِّف إلا هذا العبدَ، ولو كان كذلك وكان الدين مستغرِقاً لقيمته، لصرفناه إلى الدين وأبطلنا العتق. وليس كذلك رهنُ المعلَّق عتقه بصفة توجد في حياة المعلِّق؛ فإن ذلك العتق لو نفذ في حياة المعلِّق، لكان مقدماً على الديون، فلا تأكّدَ للعتق في التعليق، وصار في حكم الاستحقاق، والرهن تصرفٌ ضعيف منحط عن البيع، اقتضى ذلك تجويزَ البيع، ومنع الرهن. والعتق الذي يقدر حصوله في المدبر ضعيف؛ من قبل انحصاره في الثلث، فيقدم الدين عليه.
وقال بعض أصحابنا: رهن المدبر باطل قولاً واحداً. وهذا هو الذي قطع به الشافعي؛ إذ قال: " رهنه مفسوخ " والمراد بالمفسوخ الباطل. وهذا يعتاده الشافعي كثيراً.
وهذا القائل يزعم أن التدبير ليس وصية محضة، فلا يلزم تصحيحَ الرهن على قول الوصية. وهذه الطريقة وإن كانت توافق النص، فليس ينقدح لي في توجيهها شيء.
وكأن الشافعي يعتقد أن التدبير على حال عقدُ عتاقةٍ شرعي، ولا يطابق هذا مذهبَه في جواز البيع، وجواز الرجوع عن التدبير على الأصح، والمدبر على الحقيقة عندنا عبدٌ قن، فإذا مات السيد، جعلنا عتقه محسوباً من محل الوصايا. وللشافعي في كتاب الصّداق كلام في أن المرأة إذا دبرت العبد المصْدقَ، ثم طلقها زوجهاً، فهل يرجع إلى نصف المدبر. فلعلنا نجد ثَمَّ بسطةً في الكلام.
وقد انتهى غرضنا الآن والله أعلم.
(١) في (ص)، (ت ٢): يتوقع.