الأحاديث الصحيحة -كما هو معلوم- متفاوتة في درجة الصحة، ومعلوم أيضاً أن أدنى درجة في الصحة تحكم للحديث بالقبول.
فإذا ردّه إمامُ الحرمين، تعيّن على من يبغي الإنصاف أن يفسر كلام الإمام في ضوء هذا الردّ للحديث.
ومثل الحافظ ابن حجر، وهو من أعلام المذهب، لا يغيب عنه ما قاله إمام الحرمين في البرهان من أن معيار القبول والرد للأحاديث " هو ظهور الثقة وانخرامها، وهذا هو المعتمد الأصولي، فإذا صادفناه، لزمناه، وتركنا وراءه المحدثين يتقطعون في وضع ألقاب، وترتيب أبواب " (١).
فالإمام لا يُعنى بالألقاب والمصطلحات الحديثية، وربما كانت مثل هذه العبارات سبباً في هذه الجفوة بينه وبين المحدّثين، وهي التي جعلتهم، يشتدون عليه، ويخطِّئونه.
* والإمام الذهبي أيضاً:
نعرض هنا لما قاله الإمام الذهبي في ترجمة إمام الحرمين في (سير أعلام النبلاء: ١٨/ ٤٧١)، فقد قال: " قلت: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع وأصول المذهب، وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به؛ لا متناً ولا إسناداً؛ ذكر في كتاب (البرهان) حديث معاذ في القياس، فقال: هو مدون في الصحاح متفق على صحته (٢).
قلت: بل مداره على الحارث بن عمرو، وفيه جهالة، عن رجالٍ من أهل حمص؛ عن معاذ، فإسناده صالح " ا. هـ كلام الإمام الذهبي.
هكذا يلقيها الإمام الذهبي تهمة عريضة: " لا يدري الحديث لا متناً ولا إسناداً "، فإذا أقام دليلاً على هذه التهمة، نجده يقدم حديث معاذ، وقولَ إمام الحرمين " هو مدون في الصحاح " فهل هذا يصلح دليلاً على أن إمام الحرمين لا يدري الحديث لا متناً ولا إسناداً؟؟
(١) ر. البرهان في أصول الفقه: فقرة رقم ٥٩٣.
(٢) ر. البرهان: فقرة ٧٢٠.