٣٦٥٧ - فهذا إذا تولى الحاكم البيعَ، وأمّا إذا نصب أميناً، فباع الأمين الرهنَ، أو عيناً من التركة بإذن الحاكم، وتلف الثمن في يد الأمين، ثم تبين الاستحقاق؛ فلأصحابنا وجهان مشهوران: أحدهما - أنه لا تتعلق الطَّلِبة بالأمين؛ من جهة أنه منصوب من مجلس الحاكم، فكان كالحاكم. وهذا ظاهر نص الشافعي.
ومن أصحابنا من علق الطَّلِبةَ بالعَدْلِ، وإن كان منصوباً من جهة الحاكم. وهذا بعيد عن النص والقياس -وإن كان مشهوراً- فليس ينقدح الفرقُ بين الحاكم وبين منصوبه؛ فإن الحكام لا يتعاطون جملة العقود بأنفسهم، وما يفوضونه إلى الأمناء أكثر مما يتعاطَوْنه. ولو تعرض الأمناء من جهتهم لغرر العُهدة، لامتنعوا عن مباشرة الأمور، ويضيق بهذا السبب الأمرُ على القضاة. فإذا حططنا الطَّلِبةَ عن الحاكم؛ صيانةً لمنصبه، وجب طردُ ذلك في أمينه.
وقد قال أئمتنا: إذا ادّعى رجل محكوم عليه أن القاضي ظلمني، وتحيَّف عليَّ في حكمه، فلا تقبل دعواه على الحاكم نفسِه، فإنا لو فتحنا هذا البابَ، لانطلقت ألسنُ الخصوم على الولاة.
وفي هذا ترتيبٌ وتفصيل، سنذكره في أدب القضاة، إن شاء الله تعالى.
٣٦٥٨ - فحصل من مجموع ما ذكرناه مراتب: إحداها - الوكيل الذي ينصبه الحاكم. وقد مضى القول في مطالبته ورجوعه، ومطالبة موكِّله.
والمرتبة الثانية - في تصرف الحكام بأنفسهم.
والثالثة - في تصرف الأمناء المنصوبين من جهة الحكام.
وقد نجز هذا الركن من أركان العهدة.
وليعلم الناظر أن ذلك ليس من عهدة العقد؛ إذ لا عقدَ مع الاستحقاق، ولكن القول في هذا دائر على التغرير والتسبب إليه، مع ثبوت الأيدي للمتوسّطين.
٣٦٥٩ - والركن الثالث - من العهدة يتعلق بالرد بالعيب. وليس هذا موضعه.
وسنأتي به مبسوطاً في كتاب الوكالة، إن شاء الله عزّ وجل.