ومن العجيب الطريف الذي يدفع هذا الكلام عن إمام الحرمين هو كلام شيخ الإسلام نفسه، فقد أحلَّ ابنَ سُريج بالمحل الأسمى من الفقه والمذهب، وسماه الشافعي الثاني، وهو كما قال. فماذا يقول شيخ الإسلام إذا قلنا له: ليس لابن سريج وجه في المذهب؟ هل سيعود فيحط عليه ويزري به، ويقول: إنه مثل إمام الحرمين ليس من أصحاب الوجوه؟؟!!
وظني بل أكاد أجزم أن هذا الكلام مزيف على شيخ الإسلام بن تيمية، فمن كان في مثل مكانه ومكانته لا يغيب عنه هذا الأمر في نشأة المذهب الشافعي وتطوره، ومعنى الوجوه وأصحابها.
ثم إن شيخ الإسلام معروف بالإنصاف والاعتدال مع الخصوم، فمع حِدّته وغَضْبته وعنفه أحياناً، لكنه أبداً لا يسلب خصومه محاسنَهم، ولا يُنكر علمَهم، ولا يبهتهم ويبخسهم حقهم.
كل هذا يجعلني أقول: إن هذا الكلام لفَّقه بعضُ الصغار من المتعصبة، وأدخلوه في كلام شيخ الإسلام إرضاء لنزعاتهم، وأسلوب هذه الفقرات، وصياغتها ينطق بأنها ليست من كلام شيخ الإسلام وأنها مزيفة عليه، وغريبة عن نهجه وخلقه.
وهذا ليس بغريب، فقد سبق أن زيف مزيفون مثل هذا على الإمام الغزالي، وأدخلوا في كلامه جملاً مقيتة فيها إساءة إلى الإمام أبي حنيفة.
كما زيفوا على إمام الحرمين ذلك الكتيب القبيح المسمى (مغيث الخلق في اتباع المذهب الأحق) بما فيه من خزعبلات وترهات ضد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان.
وقد تَجمَّع لدى العبد الفقير إلى لطف مولاه أدلة كافية لدحض هذه الفرية، وإظهار براءة إمام الحرمين منها.
ولم أصل إلى كلام شيخ الإسلام هذا في طبعة الفتاوى التي جمعها ابنُ قاسم، وآمل ألاّ يوجد فيها -فهي النسخة المعتمدة- حتى يبرأ شيخ الإسلام من هذا الكلام من أقصر طريق.