القاضي يبيع جزءاً من المرهون، ويصرفه في جهة المؤنة على حسب الحاجة، وهذا فيه نظر؛ فإن قصاراه يؤدي إلى بيع الرهن شيئاًً شيئاًً في جهة المؤنة، وهو منافٍ لحقيقة الاستيثاق، والوجه تكليف الراهن الإنفاقَ.
وقد تحقق بعد البحث عن الطرق إطباق المراوزة على أن النفقة لا تجب على الراهن، وإن كان المرهون حيواناً، فليس إيجابُ النفقة لحق المرتهن وحفظ الرهن عليه، وإنما تجب لحرمة الروح، وليس للمرتهن فيه طَلِبة إلا من جهة الأمر بالمعروف، والمسلمون فيه شَرعٌ (١) سواء، وإن امتنع، فالقاضي يبيع شيئاًً من الحيوان على قدر مسيس الحاجة.
وإذا ثبت هذا من مذهبهم في النفقة على الحيوان، لم يخف قياسُهم في سائر المؤن. وحاصل طريق المراوزة أن الإنفاق على الرهن لا يجب لحق المرتهن.
وقطع العراقيون بأنه يجبُ على الراهن أن ينفق على المرهون إبقاءً لحق المرتهن، وإدامةً لوثيقته، واحتجوا عليه بأنا إن كنا نُنْفِق على الرهن من الرهن، والدينُ مؤجل، فهذا يُفضي إلى رفع الوثيقة، فالراهن إذا كان يحتاج إلى بذل مالٍ في الإنفاق على الرهن، فلا فرق عنده بين أن يأتي بطائفة من ماله وبين أن يباع جزء من الرهن. هذا كلامهم.
ونصُّ الشافعي في آخر "باب الرهن يجمع شيئين" موافقٌ للعراقيين، وأنا أنقل لفظه على وجهه قال رضي الله عنه: "وإذا رهنهُ ثمرةً، فعلى الراهن تنقيتها وإصلاحُها وجِدادُها، وتشميسُها كما يكون عليه نفقةُ العبد" (٢) وسيأتي في كتاب الإجارة إن شاء الله تعالى، أنا نوجب على المكري عمارة الدار في يد المكتري، حتى يتمكن من استيفاء المنفعة.
والمراوزة فيما أظن يحملون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً إذ قال: "وعلى من يحلبه ويركبه نفقته" على أن الراهن لا يرضى ببيع ملكه في نفقته، وهذا
(١) شَرعٌ: بفتح الراء، وتسكن تخفيفاً، أي سواء.
(٢) ر. المختصر: ٢/ ٢١٨. وفيه: "سقيها وصلاحها" بدل "تنقيتها وإصلاحها".