الأمرَ ويُعمي الخصومة، ويوجب استواء المرتهنين. ثم ينشأ من استوائهما أوجهٌ، قدمناها. وجهان (١) منها: أن الرهن بينهما؛ إذ الرهنان ينفسخان، وقد تحقق الاستواء بالإقرار، ويمين الرد. وهذا مسلكٌ لبعض الأصحاب. وإذا قيل له: فلو أقرّ للثاني بعدما أقر للأول، لم يتضمن إقراره للثاني المترتب على الأول استواءً بين المرتهنين، حتى يقضى بأنفساخ الرهن أو انقسامه، قال مجيباً: الإقرار الثاني مردود إلا في حق الغرم، واليمين الصادرة من المدعي حجة انتظمت الخصومة بها، وأفضت إليها، فلم يكن كإقرار ثانٍ بعد الإقرار الأول.
وسلك بعضُ أصحابنا مسلكاً آخر، فقال: إن جعلنا يمين الرد بمثابة الإقرار، فلا يستفيد الحالف المردود عليه حيث انتهى التفريع إليه إلا الغرم، كما قدمناه. وإن جعلنا يمين الرد بمثابة بيّنة، فالرهن يسلم إلى الحالف الآن؛ ويبطل حكم الإقرار الأول. وهذه الطريقة ضعيفة.
والطريقة الصحيحة القطع بتقرير الرهن الأول على موجب الإقرار الأول، من غير أن يُتبع بشركةٍ أو نقض، أو انفساخ؛ فإن الانفساخ يعتمد الإشكال، وقد استقل الإقرار الأول في البيان. والشركة تعتمد الاستواء، ولا استواء مع التقدم والتأخر.
ونقض الرهن الأول، وتسليمه إلى الثاني نتيجة بيّنةٍ تقوم، وقد ذكرنا أن يمين الرد ليست بيّنة في حق غير الناكل والمردود عليه، فقد بطلت هذه المآخذ. ولم يبق إلا القطع بأن الرهن يسلم إلى الأول، والناكل يغرَم للحالف القيمة؛ فإذا تبيّنا جواز تحليفه على تقديم الغرم، لا ينقدح عندنا في القياس إلا هذه الطريقة.
٣٧٥٣ - وكل ما ذكرناه فيه إذا كان الرهن في يدي الراهن أو في يدي نائبه، بتقدير نزعه الرهن ممن سلمه إليه.
وقد أجرينا المذهب بكماله في هذا الطرف. ولكنا نخشى أن يتخبط على الناظر، فاللائق بطلب البيان أن نترجم ما قدمناه إلى الآن، ثم نبتدىء القسم الثاني.
فنقول: إذا جرى رهنٌ وتسليمٌ من رجلين، وعسر درك السابق منهما، فإن ادعيا
(١) كذا في النسختين، ووجهها أنها في محل (البدل) من (أوجه).