والذين أنكروا كونَ الإلهام ليس طريقاً إلى الحقائق مطلقاً أخطئوا؛ فإذا اجتهد العبد في طاعة الله وتقواه، كان ترجيحه لما رجح أقوى من أدلة كثيرة ضعيفة، فإلهام مثل هذا دليلٌ في حقه. وهو أقوى من كثير من الأقيسة الضعيفة والموهومة، والظواهر والاستصحابات الكثيرة التي يحتج بها كثيرٌ من الخائضين في المذاهب والخلاف، وأصول الفقه.
وقد قال عمر بنُ الخطاب: اقربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون؛ فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة، وحديث مكحول المرفوع: " ما أخلص عبدٌ العبادةَ لله تعالى أربعين يوماً إلا أجرى الله الحكمة على قلبه، وأنطق به لسانَه " وفي رواية: " إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ". انتهى بنصه (١).
وحديث مكحول هذا عن أبي أيوب الأنصاري أورده ابنُ الجوزي في الموضوعات: في (باب من أخلص لله أربعين صباحاً).
وقد ذكر في الباب ثلاثة أحاديث جعل أولها حديث مكحول هذا عن أبي أيوب الأنصاري ثم ثنى بحديثٍ عن أبي موسى الأشعري، والثالث عن ابن عباس رضي الله عنهم، وكلها بمعنى واحد وألفاظ متقاربة (٢).
وقد أورد السيوطي حديث مكحول هذا في الجامع الصغير عن أبي نعيم في الحلية، ورمز له بالضعف.
أما المناوي في الفيض، فقد رجح الحكمَ عليه بالوضع؛ إذ قال: أورده ابن الجوزي في الموضوعات، ولخص ما قاله ابن الجوزي في سنده قائلاً: فيه يزيد الواسطي، وهو يزيد بن يزيد بن عبد الرحمن الواسطي كثير الخطأ، وحجاج مجروح، ومحمد بن إسماعيل مجهول، ومكحول لم يصح سماعه من أبي أيوب الأنصاري ".
= والكشف والرؤى، هل تعد مصادر للأحكام الشرعية؟ - حولية كلية الشريعة بقطر، العدد السادس ١١ - ٧٣.
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: ٢٠/ ٤٢ - ٤٧.
(٢) الموضوعات لابن الجوزي: ٣/ ١٤٤ - ١٤٥.