القصاب، قال ابن حبان في كتاب الضعفاء: كان فاحش الخطأ كثير الوهم، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، تركه أحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين " انتهى (١).
ونكتفي بهذه النماذج من كلام إمام الحرمين في نقد الأحاديث والرجال، وفي الجمع بين المتعارض منها، وهي ناطقة شاهدة بعنايته بعلم الحديث، مبينة عن إحاطته بعلم الرجال، دالّةُ على معرفته بالجرح والتعديل.
وفي كتابه (الدرّة المضية) من هذا الباب مئات من الأحاديث التي تكلم -بعلم- في نقد رجالها، وتوجيه متنها.
جانبٌ آخر من الاشتغال بالصناعة الحديثية:
لقد عقد الإمام في كتابه البرهان كتاباً سماه كتاب الأخبار، تناول فيه الحديث بصفته الأصل الثاني من أصول التشريع، ولكنه تناول فنون الأحاديث ومراتبها، وناقش أصول الرواية وضوابطها، وخالف المحدثين في شيء من قواعدهم وضوابطهم، وأسمائهم وألقابهم، وإليك طرفاً من ذلك:
الخبر المتواتر
عقد إمام الحرمين في البرهان فصلاً بعنوان (القول في الخبر المتواتر (٢)) يصف فيه الخبر المتواتر والأقوال فيه وفي إفضائه إلى العلم، ويعرض الشرائط التي رآها من تعرضوا للحديث المتواتر، ومنها اشتراط صدوره عن عدد، ويقول: " إن الناس اضطربوا في ذلك اضطراباً فاحشاً (٣) " ويعرض هذه الآراء ويتعقبها بالحجة والبرهان حتى يبطلها واحداً واحداً.
ثم يقول: "فإن قيل: فما الذي ترضَوْنه في ذلك؟ قلنا: الخوض فيما نؤثره يستدعي تقديم أمر. وهو أن العلوم الحاصلة على حكم العادات وجدناها مرتبة على
(١) ر. كتاب المجروحين، لابن حبان: ٣/ ٥، ٦، وانظر أيضاً ميزان الاعتدال: ٤/ ٣٤.
(٢) البرهان فقرة: ٤٩١ وما بعدها.
(٣) البرهان فقرة: ٤٩٤.