اختار، فعلى المستعير الإجابةُ والرّضا.
وهذا موقف يتعين عنده التنبه لسرِّ المذهب.
٤٥٢٧ - فالعاريّة في نفسها على الجواز، وحقها أن تبعد عن إحباط حق المستعير؛ فإنها لو أفضت إلى جواز إحباط حقه، لخرجت عن قياس المذهب، والمكرمات.
فالذي يقتضيه الرأي السديد الجمعُ بين تخيير المعير في الرجوع، وبين الاجتناب من إبطار حق المستعير. والتخيير بين هذه الخلال أُضيف إلى المالك؛ فإنه صاحب الأمر.
وما ذكرناه وإن نسبه الأئمة إلى ابن سريج، فهو مذهب كافة الأصحاب، فإن أراد المعير القلعَ، فامتنع المستعير، قلع عليه وله الأرش. وإن زعم أنه لا يريد الأرش، فهو حق ثبته الشرع له في هذا المقام، فإن لم يُردْه، فليسقطه.
وإن طلب المعير أن يبيع المستعير منه البناء والغراس، فقد قال الأصحاب: حق على المستعير أن يجيبه إن أراد ألا يُحبط حَقه، ولم يريدوا بهذا إلزامَه البيع؛ إذ لا خلاف أنه لو أراد أن يقلع البناء عند طلب المعير القلعَ، فله القلع. ولكن قال الأصحاب: إذا لم يجب المعير إلى ما طلب، أفضى ذلك إلى قلع البناء مجاناً.
ولو قال المستعير: هذا المعير يطلب مني البيع وأنا لا أريده، ولا أحبط حق المعير، بل أغرَم له أجرة مثل أرضه، في مستقبل الزمان، قيل له: ليس إليك تعيين الجهات؛ فإمّا الإسعافُ بما عينه، وإما تفريغ أرضه من غير طلب أرش.
ولو قال المعير: بقِّ ذاك بأجرة، فقال المستعير: لست أبغي (١) ذلك، ولكن اشتر مني بنائي، قلنا: يستحيل إجبارُ المعير على ذلك، ولكنه يقال للمستعير من وقت طلب الأجرة: استمر عليك الأجرة، فإنه رجع عن التبرع بالمنفعة، فإن لم ترد الأجرة، ففرغ أرضَه. ثم إذا فرغ، لم يكن له أن يُلزمه أرشَ النقص.
هذا حاصل كلام الأصحاب. وإذا أطلق المطلق القول بأن المعير إذا عين خَصلةً
من الخصال الثلاث، فامتنع المستعير، قُلع عليه بناؤه مجاناً، لم يُشعر هذا بتمام البيان، حتى نوضحَ ما يليق باختيار كل خَصْلة كما ذكرناه. وهذا يعد مما يغمض
(١) (ت ٢): أُبقي له.