ضمان الغَصبِ، والمودَع لو استعمل الثوبَ الموضوع عنده على تقدير أنه ثوبه المملوك، ضمنه ضمان الغصب،؛ فلا حاجة في تصوير الغصب إلى ذكر العدوان.
ولو حال بين المالك وبين ملكه، وكان ذلك سببَ ضياع ملكه، لم يلزمه الضمان. مثل إن كان رجل يسوق بهيمة له، فمنعه ظالم من اتباعها، وحبسه، فضاعت البهيمة، لم يلزمه الضمان. ولو أمر إنساناً بالغصب، فالغاصب ذلك المأمور-إذا استولى- دون الآمر ولو دلّ الظلمة والسرّاقَ على أموال خفيةٍ عنهم كانوا لا يهتدون إليها دون دَلالةِ مَنْ دلهم، فلا ضمان على الدال.
فتبين أن الغصب هو الاستيلاء على مال الغير بغير حقٍ.
فإن قيل: إذا صادف رجل عيناً مغصوبة في يد غاصبها، فانتزعها من يده ليردها على مالكها فما ترون في ذلك؟ قُلنا: فيه اختلافٌ مشهور بين الأصحاب، ذهب بعضهم إلى أنه لا يضمن؛ لأنه محتسب، وذهب آخرون إلى أنه يضمن؛ لأنه ليس له ولاية وتسليط على إزالة أيدي الغصاب، والتعرض لأمثال ذلك من شأن الولاة، ثم جواز الأخذ مبني على الضمان، فمن ضمَّنه، لم يُجِز له أن يأخذ، ومن لم يضمّنه سوّغ له أن يأخذ. والملتقط مثبت يدَه على مال الغير، ولكنه متسلط شرعاً على أخذه، كما سيأتي تفسير اللقطة (١) في كتابها، إن شاء الله تعالى.
وقد نص الشافعي على أن من صادف عين مال المسلم في يد حربي، فله أن ينتزعه، ولو تلف في يده، لم يضمن، فقال الأئمة: ما نص عليه مقطوع به، وليس على الخلاف الذي ذكرناه في إزالة يد الغاصب. والسبب فيه أن الحربي ليست يده يدَ ضمان، فالأخذ منه ليس مترتباً على يد ضامنةٍ، وليس كذلك الأخذ من الغصّاب.
ثم إن الشافعي ذكر في صدر الكتاب جملاً من أحكام الجنايات، فاعترض
المعترضون، وقالوا: كان الترتيب يقتضي أن يذكر صدراً من أحكام الغصب في أول الكتاب، فقيل لهم: الغصب سبب من أسباب الضمان، وليس هو في نفسه مضمناً، فأراد الشافعي أن يستفتح الكتاب بأحكام الجنايات والإتلافات، ثم رتب عليها اليدَ
(١) في الأصل: اللفظ.