نقطة أو فصلة. والأمثلة على ذلك كثيرة، وفيها من العجائب والغرائب ما لا يخطر على بال.
وسأكتفي بمثال واحد مما عانيناه في (نهاية المطلب). جاء في قوله عن موجب القتل العمد، وهل هو القود؟ أم الدية، أم الواجب أحدهما على البدل. قال:
" وشبب بعض أصحابنا بتخريج القولين على قولنا موجب العمد القود فإن المالية ثابتة ضمناً ولهذا قلنا مستحق القصاص ـ رحع إلى المال دون رصا من عل ـ هـ القصاص وـ س ـ ـ المال ـ فوا ـ محل ال ـ صاص وـ عد ال ـ ر ـ ـ ـ الحامع للطر ـ ن ـ ـ ال فى الحا ـ ى حطا قولان وفى الحا ـ ى عمدا على قولنا الموح ـ احدهما لا ـ ع ـ ـ هـ قولان مر ـ ـ ان فالاولى الحوار لان المال عـ ـر مـ ـحرد ولا مـ عس "
(لاحظ أننا كتبنا العبارة وخاصة السطرين الأخيرين بدون فواصل، ولا نقط تقريباً شبه كتابة المخطوطات).
وهنا أخدنا نحاول إقامة السطرين الأخيرين، وقلبنا الأمر على كل وجه، فلم نستطع أن نصل إلى قراءة نطمئن إليها، فأخذنا نرجح أن في الكلام سقطاً، وبدأنا (نجرب) زيادة كلمة هنا أو هناك، حتى كدنا نستقر على هذه القراءة: " ... ويثبت المال بفوات محل القصاص، وبعد الترتيب الجامع للطرق، (يمكن) أن يقال: في الجاني خطأً قولان، وفي الجاني عمداً على قولنا: الموجب أحدهما ... إلخ.
وكدنا أن نطمئن إلى ذلك وحُلَّت المشكلة بزيادة لفظة (يمكن)، وانصرفنا عن المسألة، ولكن حائكاً ظل يحوك في الصدر، كيف تتفق النسخ الثلاث على هذا السقط؟ ولكن ما الحل؟ وظللت أعود للمسألة مرة بعد مرة، وتركت المكتوب المحقق، وأتأمل في المخطوطات ذاتها، وفجأة سطعت الفكرة، تجلياً من الله على عباده، فصحت الله أكبر. وصار النص واضحاً صريحاً صحيحاً، لا سقط، ولا خرم، وإنما هو الوقف والابتداء. وهذه هي القراءة الصحيحة: " ... ولهذا قلنا: مستحق القصاص يرجع إلى المال دون رضا من عليه القصاص، ويثبت المال بفوات محل القصاص.
وبعدُ. الترتيب الجامع للطرق أن يقال: في الجاني خطأً قولان، وفي الجاني عمداً على قولنا: الموجب أحدهما لا بعينه قولان مرتبان، والأولى الجواز، لأن المال غير متجرد ولا متعين ... ".