وأفعالٌ هي على صورها غصبٌ، كما ذكرنا في نقل الصبية ودخُول الدُّور. وقد يجري ما لا يكون استيلاءً، وإن زعم صاحب الواقعة أنه قصد استيلاء، وهو كدخول الضعيف دار القوي بنفسه، مع القطع بأنه لا يستمكن من الاستيلاء، وصاحب الدار في الدار، فهذا خارج عن قَبِيل الاستيلاء، غيرُ مختلف بالقصد.
وإذا دخل داراً، وكان لا يمتنع تصوّر الاستيلاء منه، فدخوله متردد بين النظر، وبين الاستيلاء، فيختلف الحكم باختلاف القصد.
فلا بد من تخيل هذه المراتب على وجوهها.
وقد يفرض في المنقول ما يناظر المرتبة الأخيرة، فإذا كان بين يدي الرجل كتابٌ مملوك له، فرفعه رافع، وقصد الغصب، فنجعله غاصباً، فإن قصد النظر فيه وردَّه، لم نجعله غاصباً، على المذهب الظّاهر. وسنضرب لذلك أمثلةً في مرور الدنانير المغصوبة بأيدي النقاد (١). وإنما غرضنا التمهيد الآن.
وقد يعترض في انعقار أمرٌ، وهو أن من دخل داراً، فدخل بيتاً (٢)، فقد يختص استيلاؤه بذلك البيت، فيقدّر غاصباً له دون غيره، وهذا يتضح بألاّ يغلق بابَ الدار على نفسه، ويقطع العرصة عابراً.
على هذا الوجه يُفرض الغصب في بيتٍ من خانٍ (٣)، ويمكن أن يقال: إن ظهر الانتفاع بالدار، فهو استيلاء عليها، وإن لم يظهر، ولم يكن استيلاءٌ، فالدخول ليس استيلاء. وإن لم يظهر، وحصل الدخول وأمكن الاستيلاء، اختلف الأمر بالقصد.
والرجوع بعد ذلك كله إلى العرف، فإذا ثبت أهلية (٤) الاستيلاء (٥)، ثبت الغصب
(١) النقاد: أي الصيارف الذين يعملون في النقد.
(٢) الدار تحوي عدة بيوت، فالبيت جزء من الدار.
(٣) الخان: النُزل: الفندق، وهي لفظة فارسية معناها أصلاً: الحانوت، ثم صارت تطلق على ذلك المبنى الذي يقام لأيواء المسافرين الذين يمرون بالمدينة، أو ينزلونها لحاجتهم، ثم يعودون. وهو الفندق تماماً. إلا أنه كان مجاناً وتطوعاً.
(٤) (ت ٢): أصلية.
(٥) في الأصل: استيلاء.