ولا يختص ما صورناه بالغصب. فلو ادّعى رجل على رجل ألف درهم، فاعترف المدعى عليه بخمسمائةٍ، فأقام المدعي بينةً على أن له عليه أكثرَ من خمسمائة، فالأمر فيه على التفصيل الذي ذكرناه.
فصل
قال: "ولو كان ثوباً، فصبغه ... إلى آخره" (١).
٤٦٢٦ - الغاصب إذا غير المغصوب نوعاً من التغيير، وأحدث فيه صِفةً، فلا يخلو إما أن يكون ما أحدثه أثراً، أو عيناً، فإن كان أثراً، مثل أنه كان غصب حِنطةً، فطحنها، أو دقيقاً، فعجنه، وخبزه، أو شاة، فذبحها، أو لحماً، فطبخه، أو قطناً، فغزله، أو غزلاً، فنسجه، أو نُقرةً، فطبعها، أو تراباً، فضربه لَبِناً، أو ثوباً، فقَصَره، فهذه، وما في معانيها آثارٌ؛ فإنها تثبت من غير مزيدِ عين، والقول في جميعها على نسق واحد.
فنقول: إن اقتضت هذه الآثار نقصاناً، فالحكم فيها أنه يجب ردُّ العين على ما هي عليها، مع أرش النقص.
وإن اقتضت الآثار زيادةً، فالعين مردودة على مالكها على ما هي عليها، ولا حق للغاصب في الزيادة التي حدثت بسبب فعله. ولا خلاف أن هذه المعاني لا تلتحق في حق الغصب بالأعيان الزائدة، وقد ذكرنا في كتاب التفليس قولين في أن القِصارة، وما في معناها إذا صدرت من المشتري، ثم أفلس بالثمن، فتيك الزيادة أثرٌ أوْ عين.
وقد مضى القولُ مفصلاً في كتاب التفليس.
وغرضنا الآن الإشارة إلى الفرق بين البابين. فنقول: المفلس أحدث ما أحدث بحقٍّ في محل ملكه وحقه، فيجوز ألا يضيع سعيُه في تحصيل تلك الزيادة. والغاصب المعتدي ظالم بما أحدثه، فلا نقيم لسعيه وزناً، ونخيّب عملَه وظنَّه.
وممَّا ذكرناه في التفليس أن المشتري لو استأجر قصاراً، فقَصَر الثوبَ المشترى،
(١) ر. المختصر: ٣/ ٤١.