إن شئت عجل الثمنَ للمشتري، وتعجل حقك من الشفعة. وإن شئت، فاضرب عن الطلب حتى يحل الأجل.
ونص الشافعي فيما رواه حرملةُ على أن للشفيع أن يأخذ الشقص بالثمن المؤجل، وحكم ذلك أن يأخذ المبيع من المشتري في الحال، ويكون الثمن للمشتري في ذمة الشفيع، كما أن الثمن للبائع في ذمة المشتري.
وحكى أبو العباس بن سُريج عن كتاب (الشروط) (١) أن الشفيعَ يأخذ الشقص بعَرْضٍ يساوي مقدارَ الثمن مؤجلاً بأجله.
وهذا في ظاهر الأمر فيه إنصاف؛ فإنا لو كلفناه ألفاً حالاً، كان ذلك تفاوتاً في المالية بيّناً. ولو قلنا: عجل بعضَ الثمن ونكتفي به، مصيراً منا إلى أن البعض الحال يقوم مقام الألف المؤجّل، كان ذلك مقابلةَ ألفٍ مؤجلٍ بستمائة حال، وهذا صورة الربا. فإذا قدرنا عرضاً قيمته الألف المؤجل، لم يؤد هذا التقدير إلى الربا، وكان رعايةَ الانتصاف في الحقوق المالية.
هذا بيان الأقوال.
وقال مالك (٢) رحمه الله: إن كان الشفيع ملياً، ثقةً، سلمنا إليه الشقصَ بالثمن المؤجل، وإن لم يكن ملياً، وأعطانا كفيلاً ملياً، سلمنا إليه الشقص أيضاً بالثمن المؤجل، وإن لم يكن ملياً ولم يجد كفيلاً، لم نسلم إليه الشقص.
٤٧٣٨ - ونحن الآن نوجه الأقوال، ثم نفرع عليها،: فأما وجه قوله الجديد، فعماده أن البائع إن رضي بذمة المشتري ووثق بأمانته، فالمشتري لا يلزمه أن يرضى
(١) كتاب (الشروط). لم يبين إمام الحرمين من هو صاحب كتاب الشروط، وتركنا نبحث عن كل من له كتاب في الشروط، من رجال المذهب السابقين لابن سريج، حتى ترجح لدينا أنه كتاب الشروط للمزني، ثم وجدنا الرافعي يقول: "عامة الأصحاب ذكروا أن ابن سريج نقله عن الشافعي رضي الله عنه من كتاب الشروط. والمفهوم من إيراده أنه نص عليه فيه. وقال الشيخ أبو علي: إن ابن سريج خرجه من قول الشافعي في كتاب الشروط: إنه يجوز بيع الدين، فقال: يقوّم الدين المؤجل بعرض، ويأخذه الشفيع به" ا. هـ بنصه من فتح العزيز: ١١/ ٤٥٠. قلتُ: فكأن ابن سريج نقله نصاً للشافعي، أو مخرجاً من معاني كلامه. عن كتاب الشروط للمزني.
(٢) ر. الإشراف للقاضي عبد الوهاب: ٢/ ٦٣٥ مسألة ١٠٩٦، جواهر الإكليل: ٢/ ٥٨.