نعم، لو اعترف صاحب اليد بالشراء، ثم أراد أن يبيع ما ادعى شراءه، ففي بيعه، وهبته، ورهنه، وتصرفاته المستدعية حقيقة ملكه التردُّدُ الذي ذكره ابن سريج.
والوجه القطع بإثبات حق الشفعة بناء على ظاهر اليد في الحال، ورفعاً للخيال الذي أبداه.
ثم فرع الأصحاب على ما ذكره ابن سريج، فقالوا: إن قلنا: يأخذ الشفيع الشقص، قهراً، فلا كلام، وإن قلنا: لا يأخذه قهراً، فلو سلم صاحب اليد إلى الشفيع طوعاً، ففيه جوابان: أحدهما - وهو الذي قطع به صاحب التقريب أنا لا نتعرض لهذا إن جرى، وإنما ثبوت التردد في فرض الطلب القهري.
والثاني- وهو الذي قطع به العراقيون أنه لا يجوز للشفيع أخذه أصلاً، على هذا القول لابن سريج، وإن طاوعه صاحب اليد، ولم يمتنع عليه.
وبالجملة إن كان لهذا القول ثبات، فلا معنى للفصل بين الطوع وبين (١) القهر، فإن المرعي حق ذلك الغائب، وهذا لا يختلف، بأن يتطابق الشفيع والمشتري، أو يتمانعا.
فرع:
٤٨٣١ - قال صاحب التقريب: إذا اشترى الرجل شقصاً رآه، ولكن الشفيع لم يره، فيثبت حق الشفعة للشفيع، وإن منعنا بيعَ ما لم يره المشتري؛ فإن حق الشفعة يثبت قهراً. والحقوق القهرية لا تستدعي ما يستدعيه إنشاء العقد، كالإرث وغيره.
ثم إذا منعنا بيعَ الغائب، فالشفيع لا يأخذ الشقص حتى يراه. ولو بذل الثمن، لم يملكه؛ إذ هو مختار في التملك، وإنّما حظ القهر في أصل حق الشفعة، فقد ثبت حق الشفعة لما قدمناه، ولكن لا يجري الملك إلا على شرط العقد الذي ينشأ، وليس للمشتري أن يمنعه من الرؤية؛ فإنه قد ثبت له حق الشفعة.
(١) هكذا بتكرير (بين) مع الاسم الظاهر، مع أن المشهور أنها لا تكرر إلا مع الضمير. ولكن هذا ما جرى عليه إمام الحرمين، والتزمه -تقريباً- وقد نبهنا إلى ذلك من قبل، وذكرنا أن له وجهاً في الصحة، ونعيد هذا هنا من باب التذكرة.