مقصوداً فيها. وهذا الخلاف نازع إلى تردد الأصحاب في أن أجزاء البنيان هل توصف بكونها معقوداً عليها؟ أم هي كالصفات بمثابة أطراف العبد؟ وفيه تردد ظاهر قدمناه.
٥٣٢٧ - ومما نرى تقديمه في صدر الفصل أن العمارة التي أطلقنا القولَ بوجوبها على المكري، كإصلاح الجذع المنكسر، وإقامة الجدار المائل، مما تمارى الأصحاب فيه، فالذي ذكره العراقيون أنه لا يجب في التحقيق، ولكن إن فعلها المكري، استمرت الإجارة، وإن امتنع تخير المكتري. وهذا مذهب أبي حنيفة (١).
ووجه هذا أن الإجارة وردت على عين الدار، فإيجاب إحداثِ فعل فيها إيجابُ زائدٍ، لا تقتضيه الإجارة بلفظها. نعم، يثبت الخيار؛ إذ الدار لو انهدمت، لانفسخت الإجارة، فإذا كان العقد ينفسخ بالتلف، يثبت التخير فيه بالتعيُّب (٢).
٥٣٢٨ - وذكر شيخي والقاضي ما يدلّ على أن العمارة تجب، على التفصيل الذي ذكرناه. وهذا متجه، من جهة أن توفية المنافع لا تتأتى إلا بمرمة الدار إذا هي استرمت (٣)، وبناء مذهبنا على أن المنافع مستحقة على المكري، ولا يتجه في الحكم بانفساخ الإجارة إذا انهدمت الدار في يد المكتري إلا أن يقال: يد المكتري وإن ثبتت، وسلّطته على التصرف بالإجارة، ففي العين عُلقةٌ متعلقة بالمكري، وهي وجوب توفية المنافع عليه، فإذا كنا لا نوجب عليه العمارة، فلا يبقى لإيجاب توفية المنافع على المكري معنى (٤) سديد.
فقد حصلنا إذاً على طريقين للأصحاب أثبتناهما عنهم على ثبتٍ وثقة.
٥٣٢٩ - ولو استأجر داراً، ولم يكن على بعض مداخلها بابٌ، أو لم يكن على مجرى مائها مزراب، فإذا اطلع المكتري على ذلك، وكان ما رآه مؤثراً في تنقيص
(١) ر. المبسوط: ١٥/ ١٤٤، وحاشية ابن عابدين: ٥/ ٤٩، ومختصر اختلاف العلماء: ٤/ ١٣٤ مسألة: ١٨٣٣.
(٢) في الأصل: بالتعصب. وهو تصحيف طريف.
(٣) في الأصل: استرجت.
(٤) في الأصل: نعنى.