فالاستئجار صحيحٌ، على شرط الشرع، وغرض الفصل أن الإجارة إذا صحت، ثم انقطع الماء الذي كان منه شِربُ الأرض، فالمنصوص عليه للشافعي أن الإجارة لا تنفسخ، ولكن يثبت للمكتري الخيارُ، ونص الشافعي على أن من اكترى داراً، فانهدمت، حُكم بانفساخ الإجارة.
٥٤١٥ - قال العراقيون وغيرهم من نقلة المذهب: الأصح نقلُ النصين في المسألتين وتخريجهما جميعاً على القولين: أحدهما - أن الإجارة لا تنفسخ فيهما؛ لأن منفعة الأرض لا تتعطل بالكلية بانقطاع الماء، وكذلك منفعة الدار لا تنقطع بجملتها، بالانهدام؛ فإنه يمكن سكون (١) العَرْصة، واتخاذها مُخيَّماً.
٥٤١٦ - وكان شيخي أبو محمد يرى القطعَ بانفساخ الإجارة الواردةِ على الدار، بانهدامها، وكان يقطع بأن الإجارةَ على الأرض لا تنفسخ بانقطاع الماء، وكان يفرّق بأن الماء ليس صفةً للأرض، فانقطاعه (٢) لا يغيّر صفةَ مورد العقد، وانهدامُ الدار تغيير معطّلٌ للمنفعة، واردٌ على المعقود عليه.
وهذا الفرق غيرُ سديد؛ فإن المنفعة في الموضعين لا تتعطل بالكلية، ومعظم المنفعة زائل، ولعل ما بقي في عرصة الدار أكثر، وهو إمكان السكون وضرب الخيام، والزراعة إذا انقطعت (٣) في القراح (٤) الضاحي، لم يبق فيه منتفعٌ به مبالاة.
وعلى الجملة طريقة القولين أسدّ، وتوجيهها ما أجريناه في أثناء الكلام.
٥٤١٧ - فإن قلنا: تنفسخ الإجارة في مسألة انقطاع الماء، أو اختار المستأجر فسخها، إن قلنا: إنها لا تنفسخ، فإذا فسخها، فيرتد إليه ما يقابل بقيةَ المدة من الأجرة المسماة، والوجه توزيعها على أجر المثل، كما تفصَّل في المسائل المقدّمة.
(١) سكون العرصة: أي سكنى الساحة. واستعمال هذا الوزن (سكون) بمعنى السكن، والسكنى، وارد في لسان إمام الحرمين، والغزالي كثيراً، وقد مضى في مواضع من قبل.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) في الأصل: انقطع.
(٤) القراح: الأرض الخالية من الزراعة، ليس عليها بناء، ولا غيره (المعجم، والمصباح).