على العكس (١)، صحّ الزرع والغرس، فلا بد من التمييز والتعيين.
ومن أصحابنا من قال: إبهام الأمر في التعيين مقتضاه تفويض الأمر للمكتري، حتى يزرع (٢) أي نص شاء، ويغرس أيّ نصفٍ شاء.
٥٥١٣ - ولا خلاف أنه لو قال: أكريتكها على أن تزرع أي نصفٍ شئت، وتغرس أي نص شئت، فالإجارةُ تصح كذلك.
وإذا صحت الإجارة على أن يزرع النصف، ويغرس النصف، فلو غرس الكل، لم يجز، ولو زرع الكلّ، جاز، ووجهه بيِّن.
ولو قال: ازرعها واغرسها ما شئت، فزاد (٣) التفويضَ إلى المشيئة، فالذي ذهب إليه معظم الأصحاب، أن هذا بمثابة ما لو قال: ازرعها، واغرسها. وقد ذكرنا ترددَ الأصحاب في التفريع. وذهب بعض أئمتنا إلى أن التقييد بالمشيئة يقيّد تفويضَ زراعة الكل، وغراسة الكل. وهذا زلل، فاللفظ لا يشعر به.
ولو قال: أكريتكها على أن تزرعها، أو تغرسها، فهذا الآن تخيير في الكلّ، فتصح الإجارة، وتحمل على تنزيلها على أضر جهات الانتفاع، ثم الخيرةُ إلى المكتري في الكل، إن شاء غرس الكلَّ، وإن شاء زرع الكلَّ، فإذا انبسطت خِيرَتُه في الكل، فله أن يزرع بعضاًً، ويغرس بعضاً.
فصل
قال: "وإذا انقضت سنون، لم يكن لرب الأرض أن يقلع غراسه ... إلى آخره " (٤).
٥٥١٤ - إذا اكترى أرضاً للغراس والبناء، وضرب مدَّةً معلومة، فالإجارة تصح،
(١) على العكس: أي وقع الغرس في الجانب الغربي، ولك أن تعجب معي من دقة ملاحظة أئمتنا ومعرفتهم بالواقع، وذلك أن الغراسَ -أي زراعة الأشجار- إذا كان في الجانب الشرقي يلقي بظلاله على الجانب الغربي؛ فلا يصح الزرع، إذ يحتاج إلى ضوء الشمس، ولا يصح في الظل.
(٢) في الأصل: يعين.
(٣) (د ١): فردّ.
(٤) ر. المختصر: ٣/ ٩٨.