وما ذكرناه في الملح المنعقد من الماء، فأما الملح المنتقَر (١) المحتفر من الجبال، الذي لم يُعهد منعقداً من الماء، فإذا ظهر تغيّر الماءِ به، قطعنا بزوال طهوريته، ولم ندرجه في الخلاف أصلاً، ومن ظنّ فيه خلافاًً، فهو غالط.
فرع:
١٣ - إذا وقع في الماء كافورٌ صلبٌ، وغيّر رائحة الماء، فقد ذكرنا أن الماء طهورٌ عند الأئمة، والمجاورة لا أثر لها، فلو كان كافوراً رَخواً (٢)، فذاب في الماء، وخالطه، وظهرت رائحتُه، والكافور قليل، وسبب تغيّر الماء ظهورُ الرائحة الفائحة الغالبة، فمن لم يكتف من أئمتنا بأدنى تغيّرٍ، واتبع الاسم، حكم بأن هذا الماء طهور.
ومن صار إلى أن التغيّر اليسير بالزعفران يسلب تطهير الماء، فقد اختلفوا في الصورة التي ذكرناها، فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز التوضؤ به؛ فإنّه متغيّر والكافور مخالط في محل التصوير.
وذهب الأكثرون إلى جواز التوضؤ به، فإن الكافورَ وإن كان مخالطاً، فليست المخالطة سببَ التغيّر، وإنما سببُ التغيّر قوة ريح الكافور، فالماء في معنى ما يتغيّر بمجاورة الكافور.
فرع:
١٤ - إذا جرت رياح في الربيع (٣)، ونثرت الأوراقَ الرطبة، وتغيّرت المياه بها، فمن اتبع المخالطة والمجاورة، منع التوضؤ به إذا تغيّرت المياه بمخالطة الأوراق إياها.
ومن اعتبر في أصل الباب التعذّر والتيسُّر في الاحتراز، اختلفوا في هذه الصورة؛ وسبب الاختلاف أن ما تعلق بالأعذار، فكل عذر يعمّ وقوعُه أثّر، وكل
(١) المنتقر: من انتقر الشيء: احتفره. (المعجم) فالمحتفر هنا عطف بيان للمنتقر.
(٢) رخواً بفتح الراء وكسرها، أي هشّاً. (المختار).
(٣) ذِكْرُ (الربيع) هنا له معنى مقصود؛ إِذ تختلف أوراق الربيع عن أوراق الخريف، بما فيها من (رطوبات) تجعل عصيرها مخالطاً للماء، بعكس أوراق الخريف الجافة، التي لا تخرج عن كونها (مجاورة).