ولو كان ينتاب تلك البقعة، فاتفق استئخاره مدة، لا ينقطع بمثلها حقُّه، فلو جلس جالسٌ على مقعده بانياً على أن ينزعج إذا عاد، ويسلِّم له مقعده، فظاهر المذهب أنه لا يُمنع، ويحتمل أن يقال: يمنع؛ لأن هذا يُظهر لأُلاّفه ما يُظهره الزمانُ الطويل في الانقطاع.
فأما القعود في غير أوقات المعاملة، فلا بأس، والقعود في أوقات المعاملة لغير المعاملة، فلا بأس به.
فهذا هو الممكن في ضبط ذلك.
٥٦٢٥ - وإن طرأت حالة يتقابل فيها الظنان في انقطاع الغرض وبقائه، فلعل الظاهر بقاءُ حقِّه ودوامُه.
٥٦٢٦ - ثم أحدث الأصحاب فنّاً من الكلام، فقالوا: إذا طال عَوْد الرجل إلى مقعدٍ واحد، فهل يُزعج عنه، ويقال له: تنحَّ وتخيّر مقعداً آخر؟
ذكر نقلةُ المذهب وجهين في ذلك، واعتبروهما بالوجهين في العاكف على المعدن العِدّ، إذا طال مقامُه عليه، وهو في ذلك دائبٌ في أخد النَّيْل.
٥٦٢٧ - ونحن نقول: أما الخلاف في تنحية من يُطيل عكوفه (١) على المعدن، فمأخود من طلبه الانفرادَ بما يأخذه من النّيْل، وخروجه عن العادة العامة في تقرير المعادن الظاهرة على الاشتراك والتناوب، فأما الخلاف في إزعاج من يتخيّر مقعداً من الشارع فبعيدٌ جدّاً، وهو موضوعُ الباب؛ فإن الغرض الذي يُدار عليه تخيّرُ المقاعد ما أشرنا إليه من ظهور الأُلَاّف، وكثرةِ المعارف في المعاملة، وفي تنحيته، وإزعاجه إبطالُ هذا الغرض، فأَخْذُ النيل على التناوب، وتخيّر المقاعد على نقيض ذلك؛ فإن الناس لو تناوبوا عليها، لبطلت أغراض الجميع فيها.
فإذا لاح ما ذكرناه من التنبيه، فالوجه في تنزيل الخلاف المأثور عن الأصحاب في المقاعد أن نقول:
(١) في الأصل: وقوفه.