وقرّب الأئمة هذا من أصل ذكرناه في كتاب الحج، وهو أن المستأجَر على الحج إذا نوى مستأجِره أولاً، ثم صرف الإحرام إلى نفسه ظانّاً أنه ينصرف إلى نفسه، واستمر على عمله على هذا الظن، فالحج ينصرف إلى مستأجِره، وفي استحقاقه الأجرة الخلافُ المشهور.
وعندي أن الصورة التي ذكرناها بعيدة عن استحقاق الأجرة؛ إذ لا استعمال فيها، وإنما جرى الإذن إطلاقاً، ورفعاً للحجر، وليس كمسألة الأجير في الحج؛ فإن المستأجِر استعمله أولاً، وانصرف إليه العمل آخراً، فلا يبعد أن يلغو القصد الفاسد اللاغي من الأجير، ثم إذا رأى ابن سريج في هذه الصورة إثباتَ الأجرة للعامل، فليت شعري ماذا يقول إذا عمل، ولم يستفد شيئاً؟ فإن جرى على قياسه في إثبات الأجر، كان في نهاية البعد إذا لم يحصُل نَيْلٌ هو شوفُه، ومتعلّق طمعه (١)، حتى يقال: إذا قُطع عنه ما أُطمع فيه، فهو عِوض (٢) عنه.
وإن سلّم في هذه الصورة أنه لا يستحق الأجرة، فقد وُجد الكدّ، وظاهر العمل، وعلى الجملة هذا محتمل على قياس ابن سريج.
وما ذكرناه شرح مسألة واحدة.
٥٦٥٢ - المسألة الثانية - أن يقول: اعمل في بياض هذا النهار، ولك ما تُظهره من النيل، فالقول في النَّيْل كما مضى؛ واستحقاق الأجرة مختلف فيه بين الأصحاب، وهو ظاهرٌ في هذه الصورة؛ من قِبل استعماله العامل بأمره.
٥٦٥٣ - المسألة الثالثة - أن يقول: استأجرتك لتعمل في نهارك وأجرتك النَّيْلُ الذي تصادفه، فالظاهر هاهنا أنه يستحق أجرَ المثل، للتصريح بالاستئجار، وإثبات العوض.
وأبعد بعض أصحابنا، فأسقط الأجرة، لتعلق قصد العامل بأخد النيل الذي يُظهره عمله.
(١) في الأصل: قلعه.
(٢) هو عوض: أي الأجر، وفي (د ١)، (ت ٣): إذا قطع عنه ما أطمع فيه، عُوّض عنه.