٥٧٤٧ - فعلى هذا الوقفُ الذي يستدعي القربة، هو الوقف على الجهات التي لا تستدعي تمليكاً، كالوقف على البِيع، وكتبة التوراة، فهو باطل، والصحيح الوقف على المساجد والرباطات.
فحصل من مجموع ما ذكرناه ترددٌ في أن الأجناس الذين لا ينحصرون هل يُرعى في الوقف المضاف إليهم وجهُ القربة أم لا؟ فإن راعينا وجه القربة، ففي الوقف على الأغنياء تفصيلٌ، قدمته فيما مضى.
واختلف القول في الوقف على أقوام يعسر حصرهم، ولو قدرنا صحة الوقف، لوجب استيعابهم، وهذا كالوقف على بني هاشم، والعلوية، والطالبية، وسنذكر هذين القولين في كتاب الوصايا، إن شاء الله تعالى. وغرضنا الآن منها أنا إن صححنا الوقف، لم نعلِّقه بالقربة؛ فإنه يتضمن تمليكاً واستيعاباً.
٥٧٤٨ - ومما يتصل بهذا الفصل وقف الإنسان على نفسه، وقد ظهر اختلاف الأصحاب فيه، فذهب القياسون إلى منعه؛ فإن الغرض من الوقف إخراج الواقف ملكَه إلى غيره، ولا حاصل لوقف خالص ملكه على نفسه؛ فإن مقصود الوقف نوعٌ من الاختصاص، والملك الخالص زائد على كل اختصاص.
ومن أصحابنا من جوّز وقفَ الإنسان على نفسه، وحمل ذلك على طلبه تحبيسَ الملك، حتى تنحسم عنه التصرفات المزيلة للملك.
ثم بنى الأصحاب على هذا أن الرجل إذا وقف على نفسه شيئاً من ملكه، ثم ذكر أنه بعد موته (١) وقفٌ على فلان وفلان، ثم بعدهم على المساكين، فإن صححنا وقفه على نفسه، انتظم الأمر واتسق الوقف، وإن حكمنا بأن وقف الإنسان على نفسه باطلٌ، فهذا وقفٌ منقطع الأول، وقد مضى تفريع انقطاع الوقف من الأول.
٥٧٤٩ - ومما فرعوه أنا إذا أبطلنا وقف الإنسان على نفسه، فلو وقف شيئاً على الفقراء والمساكين، ثم افتقر هو في نفسه، فهل يحل له أن يأخد من رَيْع الوقف ما يسد حاجته، لاندراجه تحت اسم المساكين؟ فيه اختلاف بين الأصحاب على قولنا
(١) ساقط من الأصل.