على القولين في وقت حصول الملك: من قال بالانفساخ، احتج (١) بأن العقد قبل القبض جائز من الطرفين جوازاً شرعياً فينفسخ، كالجعالة، والوكالة، والقراض.
ومن قال: لا ينفسخ، احتج بأن مصير الهبة إلى اللزوم عند فرض جريان القبض، فالموت قبل القبض بمثابة الموت في زمان الخيار في عقد البيع.
وقد أجرينا هذا الخلاف في الرهن.
هذا منتهى غرضنا في ذكر ركني الهبة: اللفظ، والقبض.
فصل
مشتملٌ على بيان ما يصح هبته، وما يمتنع هبته
٥٨٣٥ - فكل عينٍ صح بيعُها، صح هبتُها.
والشيوع لا يمنع صحةَ الهبة فيما ينقسم، وفيما لا ينقسم، كما لا يمنع صحة البيع والرهن، وخالف أبو حنيفة (٢) رحمة الله عليه في الهبة، وقياسه فيها يخالف قياسَه في الرهن، فلا جَرم قال: بيعُ الشائع الذي لا ينقسم أصله جائز، وتعويله في منع هبة الشائع على أن الهبة تبرع، فلو صحت في الشائع، لملك المتَّهب إلزام (٣) الواهب القسمة، وهذا يؤدي إلى إلزام المتبرع مؤونةً على (٤) التبرع في عين ما تبرع به، وهذا قد رددناه عليه في (الأساليب) (٥) وغيرها (٦).
وإنما غرضنا أنهم يستمسكون بالقبض، ويقولون: " إنما يوقف الملك في الهبة
(١) في الأصل: واحتج.
(٢) ر. مختصر اختلاف العلماء: ٤/ ١٣٩ مسألة: ١٨٣٧، والمبسوط: ١٢/ ٦٤، ومختصر الطحاوي: ١٣٩، وإيثار الإنصاف: ٢٨٠.
(٣) في الأصل: التزام.
(٤) (د ١)، (ت ٣): في. والمراد إلزام المتهب مؤونةً بسبب هبته، وهي مؤونة القسمة.
(٥) الأساليب: أحد كتب الإمام في الخلاف، ولما نصل إليه.
(٦) وغيرها: أي غير الأساليب، ولعله يعني (الدرّة المضيئة)، فقد ردّ فيها على الحنفية هذه المسألة.