وقد ذكر الشافعي الكراهيةَ، وأراد به التحريمَ، وهو يعتاد ذلك كثيراً، والدليل على التحريم (١) الوعيد المنقول عن النبي عليه السلام.
وحكى العراقيون قولاً للشافعي في أن استعمالَها مكروه غيرُ محرم، ولم يعرِف المراوزة ذلك، ونقلوا نصاً للشافعي في نفي التحريم مجملاً (٢)، ثم أوّلُوه، وحملوه على أن المشروب في نفسه ليس بمحرّمٍ، فليقع التعويل على التحريم.
ثم سلك الصيدلاني، وشيخي، وغيرُهما مسلكاً أسرُده على وجهه، ثم أذكر المختار عندي.
قد قالوا: للأئمة طريقان: منهم من خصّص التحريم بالنقدين من غير رعاية معنىً، وزعم أن اختصاص التحريم بهما كاختصاص أحكامٍ بهما من القراض والنقدية وغيرهما. ومنهم من تخيل معنىً محرماً: وهو إفراط الخيلاء والتزيّي بزي الأعاجم، ثم بنَوا على هذا مسائلَ الفصل، كما سيأتي.
والذي أراه أن معنى الخيلاء لا بد من اعتباره؛ فإنه مما يَبتدر إلى الفهم، وإذا أمكن اعتبارُ المعنى، فحسمه مع القول بالمعاني بعيد. وسأخرّج على ذلك تفريعَ المسائل في الفصل.
٤٤ - قال الأولون: إذا اتَّخَذَ إناء نفيساً من غير التبرين، فإن كان سببُ نفاسته حسنَ الصيغة، لم يَحرُم استعمالُه كَالزُّجاج؛ فإن مستعمله لا يُنسب إلى السَّرف والخُيلاء.
وإن كانت سبب النفاسة عزة الجوهر كالفيروزج، وما في معناه، فجواز استعماله مخرج على اختلاف الأئمة في اعتبار المعنى.
فمن خَصّص التحريمَ بالتبرين، لم يُحرِّم غيرَهما. ومن اعتبر الفَخر والسَّرف، حرّم ما علت قيمتُه بجوهره، لتحقق المعنى المعتبر.
٤٥ - وأنا أقول: يَبعد حَسمُ باب النظر مع إمكانه، وقد أجمع القيَّاسون على
(١) ساقط من الأصل، وأثبتناه من (م)، (ل).
(٢) في (م): "ونقلوا أيضاً للشافعي سلك في نفي التحريم محملا ثم أولوه". وهو تصحيف ظاهر. وفي (ل): "ونقلوا أيضاً للشافعي في نفي التحريم محملاً، ثم أولوه".