وإن كان أبواه على كفر ابتداء، وأعرب هو عن نفسه بكفرٍ آخر، مثل إن كانا يهوديين، فأبدى هذا تنصراً، أو على العكس، فالقول الوجيز فيه: أنا نجعله كمن ينتقل من ملة في الكفر إلى ملةٍ، وسيأتي تفصيل الأقوال في أن من فعل ذلك هل يُقر على الكفر الذي انتقل إليه، وموضع استقصائه كتاب النكاح، إن شاء الله تعالى.
٦٠٧٦ - فإذا تبين هذا، قلنا بعده: الأحكام التي سبقت مترتبة على تبعية الإسلام هل تنتقض؟ وقد أعرب عن نفسه بالكفر؟ إن قلنا: إنه مرتد، فلا شك أنا لا ننقض شيئاً مما تقدم.
وإن قلنا: إنه كافر أصلي، فكل حكمٍ قررناه بعد البلوغ قبل الإعراب، فهو منقوض.
وكل حكم كُنّا أمضيناه في الصبا، فهل ننقضه الآن؟ فعلى وجهين: أقيسهما - أنا ننقضه، والمعنيّ بنقضه أنا نتبيّن انتقاضَه، فإن كان أعتقه مُكَفِّرٌ تبيناً بالأَخَرة أن ذمته لم تبرأ، وإن كنّا ورَّثناه من مسلم، تبيَّنا ارتداد ذلك الإرث. وإن كنا أنفقنا عليه من بيت المال، استرددناه. ولو حرمناه في صباه الإرث من كافرٍ، نتبين الآن عوْده إلى الاستحقاق.
وهذا كله قياس قولنا: إنه كافر أصلي؛ إذ لو كنّا نُبقي تلك الأحكام، لكان هذا الكفر بعد إسلام، والكفرُ بعد الإسلام ردة.
ومن أصحابنا من قال: لا ننقض شيئاً من أحكام الإسلام التي أمضيناها في حالة الصبا؛ فإنها جرت والتبعية قائمة، والاستقلالُ بالكفر والإسلامِ غيرُ ممكن من الصبي (١)، فلا ننقض ما مضى الحكم به، وإنما تُرد الأحكام الواقبة بعد البلوغ.
وهذا وجهٌ ضعيف في القياس، مشهور في الحكاية.
وقال صاحب التقريب: إن نقضنا أحكام الصبا، وتتبعناها، لم ننقض النفقة، ولم نستردها؛ فإن السلطان لو صرف شيئاً إلى ذمي من المحاويج، لم يبعد ذلك عن وجه الصلاح.
(١) ساقط من الأصل.