٣ - فهرس المسائل التي خالف فيها إمام الحرمين القاضي أبا بكر الباقلاني، وهو الرجل الثاني بعد الأشعري، وقد أحصاها، فكانت إحدى وأربعين (٤١) مسألة (١).
وهو يتحدث عن الإمام الأشعري بكل احترام وتقدير، ولكن لا يمنعه هذا أن يقول في بعض المسائل: ورأي الأشعري مختبط في هذه المسائل! وكيف لا وقد علق على قولة لوالده، الإمام المعروف فقال: وهذه زلة من الشيخ رحمه الله! (٢).
وأما استقلاله في (التعبير) فهو ظاهرة ملحوظة في كل ما يكتب، فمعجمه اللغوي رحب، ومفرداته كثيرة، وهو ينتقي منها ويتأنق فيها، إلى حد الإغراب في بعض الأحيان، ولا يكاد يستخدم عبارات من قبله، وكثيراً ما يلتزم السجع، كما هو نمط عصره، وأغلبه مستساغ، وقليل منه متكلف، وقد رأيناه يلتزم السجع في بعض كتبه مثل (غياث الأمم) فهو مسجوع من أوله إلى آخره، إلا ماندر. وأحياناً أخرى يتحرر من السجع، ويمضي مسترسلاً، ككبار البلغاء. قال ابن خلكان: ورزق من التوسع في العبارة ما لم يُعهد من غيره (٣).
عقل كبير وقلب كبير:
وكما تميز الإمامُ الجويني بعقله الكبير، تميز بقلبه الكبير، فقد اتفق مؤرخوه أن الرجل كان من (أصحاب القلوب) الذين لهم مع الله تعالى حال ومقام، وكان إذا ذكّر الناس في مجلسه بكى وأبكى الحاضرين.
وهذا مع أن الذين يشتغلون بالقضايا العقلية، والمجادلات الكلامية، يصابون بجفاف الروح، وقسوة القلوب، إلا من رحم ربك، من القلائل الذين احتفظوا بقلوبهم حية لم تمت، سليمة لم تسقم، صافية لم تشب، ومنهم إمام الحرمين. وقد قال هو رحمه الله بحق: " من ضرِي بالكلام صَدِي جنانه! "
قال مؤرخه عبد الغافر الفارسي: " كان من رقة القلب بحيث يبكي إذا سمع بيتاً،
(١) انظر: هذه الفهارس في أواخر الجزء الثاني من (البرهان) ص ١٤٤٣ - ١٤٤٩.
(٢) انظر: شذرات الذهب لابن العماد: ٣/ ٣٦٠.
(٣) وفيات الأعيان: ٣/ ١٦٨.