وأما قولنا: "غير محترمةٍ"، فالمراد تحريمُ استعمال المطعومات، والأشياء التي عليها كتابة محترمة معظَّمة، مما يُحفظ، فالمحترَم هو الذي يحرم استعمالُه في النجاسة، فإذا فرض استعمالُ محترمٍ، انتسب المستعمِلُ إلى المأثم، وفي سقوط الفرض وجهان: أحدهما - أنه يسقط؛ لحصول ارتفاع النجاسة.
والثاني - لا يسقط؛ لأن الاقتصارَ على الأحجار من الرُّخص، والرُّخص لا تناط بالمعاصي.
وهذا الاختلاف يُضاهي الاختلافَ في المسح على الخُف المغصوب، كما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
وحكى الأئمّة اختلافَ نصّ الشافعى في الاستنجاء بالتراب، والذي يجب القطع به أنه أراد بالتراب المدَرَ (١) المتماسكَ لمَّا نصّ على (٢) الاستنجاء به.
ومن شبّب من المصنفين بترديد الجواز في التراب المنتثر، فهو غالط؛ فإنَّ التراب يلتصق بالنجاسة، ولو قُدّر تحامل، انتشرت النجاسة، ونُقلت عن محلها.
ونقل البُويطي جوازَ الاستنجاء بالحُممَةِ (٣)، ونقل غيرُه منعَ ذلك، وقطع المحصّلون بتنزيل النصين على حالين، فإن كانت الحممةُ صُلبةً، لا تنتثر، وتقلع النجاسة، جاز الاستنجاءُ بها، وإن كانت رخوةً تنتثر، لم يجز، وتَخيّلُ التردد في ذلك غلط.
ولو استنجى بعصفورةٍ حيّةٍ، عصى ربَّه، وإذا انقلعت النجاسة، ففي سقوط الفرض الوجهان المقدمان في استعمال الأشياءِ المحترمة.
ولو استنجى بيد غيره، فهو كالاستنجاء بالعصفورة، ولو استنجى بيد نفسه، فالوجه القطع بالإجزاء؛ لحصول القلع، وانتفاءِ المأثم؛ فإنه لا حرج على المرء في تعاطي النجاسة باليد، ومن خرّج الصورة الأخيرة على الخلاف، فغالط.
(١) المدر: الطين اللزج المتماسك (المعجم).
(٢) في الأصل: عن، والمثبت تقدير منا، صدقته (م)، (ل).
(٣) الحممة: واحدة الحُمم، وهو الفحم والرماد، وكل ما احترق من النار (المعجم).