ووجه البناء أن النسوة لسن (١) من أهل التزام الجزية، ولكن صورة التزامها هل تعصمهن عن الرق؟ فيه الخلاف الذي ذكرناه، كذلك الأسير ساقط الاختيار، فإذا وجد منه التزامُ الجزية، فهو بمثابة التزام الجزية ممن ليس من أهلها، غير أن التأثير في الأسير يظهر في سقوط القتل، وفي النسوة في سقوط السبي.
وقد ذكر صاحب التقريب في كتاب السير وجهاً بعيداً حكاه وزيّفه، فقال: من أصحابنا من ذهب إلى أن الأسير إذا (٢) قبل الجزية، يجب إطلاقه، وإجابته إلى عقد الذمة، وتنزيله منزلة المختار من الكفار إذا طلب الذمة، وهذا في نهاية البعد؛ فإن الأسير إذا اسلم، لم يُطلَق وجوباً، وكان الإمام على وجهٍ مخيراً بين المن والفداء والإرقاق تخير نظرٍ واجتهادٍ.
وفي وجهٍ يرِق بنفس الإسلام، فلو أطلقنا الأسير القابل للذمّة، لكان أثر الأسر ساقطاً بالكلية، فإن المختار مجالب إلى عقد الذمة إذا طلبه (٣) ويستحيل أن يبقى أثر الأسر مع الإسلام ويسقط أثره مع طلب الذمة.
ولكن وجه هذا الوجه على بعده أن الجزية من آثار الكفر، فإن عقدنا له الذمة، لم نُخله عن صَغار الكفر، ولو خلّينا المسلم حتماً واجباً، لكان الإسلام مُحبطا لآثار الإسار بالكلية، وهذا لا سبيل إليه.
٧٧٣٧ - ومما يتعلق بأحكام الأسرى أن الإمام لو أراد أن يضرب الرق على الأسير وهو من عبدة الأوثان، فالمذهب المبتوت (٤) الذي ذكره الأئمة أن ذلك جائز، ثم يصير اطّراد الرق عليه عاصماً له (٥) ولا يجب قتله، بل لا يجوز؛ لحق الرق الثابت في رقبته للملاّك المحترمين، وليس كالمرتد؛ فإن الرق لا يعصمه.
= إرقاقهن" ا. هـ ملخصاً (ر. الروضة: ١٠/ ٣٠٢).
(١) في النسختين: لـ ـس.
(٢) في الأصل: وإذا.
(٣) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(٤) هذا ما استقر عليه المذهب، وقال عنه النووي: إنه الصحيح. (ر. الروضة: ١٠/ ٢٥١).
(٥) في الأصل: عاصمة.