القول لا نملِّكهم شيئاً، وإنما نكفيهم ليتفرغوا إلى الجهاد والقتال.
والقول الثاني - أن أربعة أخماس الفيء ملكُ المرتزقة، فعلى هذا إن فضل عن حاجاتهم شيء، فهو مردود عليهم.
وحاصل القول في هذا أنا وإن رأينا كفاية المرتزقة من المصالح، فإذا كُفوا المؤن؛ فقد كفى وتم الغرضُ.
وهذا القول يوجّه بأن المرتزقة لا اختصاص لهم بسببٍ يوجب لهم الملك، بخلاف الغانمين؛ فإنهم اختصوا بإثبات أيديهم على المغانم، فكفاية المرتزقة من أهم المصالح، فإذا كفوا المؤن، فقد كفى وتمّ.
فأما تمليكهم من غير صدور سببٍ منهم يقتضي الملك، فلا وجه له، فإذا ملكناهم كان السبب أنهم النجدة والعماد، وعليهم الاعتماد، ولو شغرت البلاد عن أهل الاستعداد، لهجم الكفار على الثغور، وكبسوا على المساكن والدور، فما يُظفر به من غير قتالٍ بسبب رعبٍ، فينبغي أن يستبدّ به الذين منهم الرعب، فعلى هذا تصرف الأربعة الأخماس إليهم ملكاً.
٧٧٨٨ - وعلى المنتهي إلى هذا الموضع أن يصرف الفكرَ إلى أمرين: أحدهما - أن المغانم تقسّم على رؤوس الرجّالة والفرسان، ولا ينظر إلى المؤن التي يلتزمها (١) كل شخص، كما ينظر إلى الكفاية في المرتزقة، والسبب فيه أن المقتضي الظاهر في الملك الاستيلاءُ وإثباتُ اليد، وهذا مما يُرجع فيه إلى القوّة الناجزة، ثم للشرع توقيفٌ في الفرسان والرَّجالة، وهو مبني على التمكن الناجز والأمر الحاضر، وفي هذا مقنع عن النظر إلى المؤن (٢) ولكن (٣) سبب الملك في المرتزقة الإرعاب، وذلك يخرج عن الضبط، فالتفت الشرع فيه إلى المؤن، التي يلتزمها المرتصد
(١) أي المؤن التي يحتاجها الفرسان والرجالة. فلا ينظر إليها عند قسمة الغنائم.
(٢) من خبرتنا وتذوقنا لعبارات إمام الحرمين يلوح لي أن صواب العبارة هكذا: "وفي هذا قطعٌ للنظر عن المؤن". ولكنا نلزم أنفسنا دائماً احترام النص المكتوب ما دام له وجه. مهما كان قلقاً.
(٣) في الأصل: وفي.