استدللنا بوجوب الفراق في اللعان على وقوعه.
قلت: وفيما ذكره نظر؛ فإنه لو كان اختيار الدنيا يضاد صحبة رسولى الله صلى الله عليه وسلم، لتعجلت الفرقة، ولو وقعت الفرقة، لم يكن لقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} الأحزاب: ٢٨ معنى؛ فإن المفارِقة كيف تفارَق؟ وقوله: إن الفرقة إذا وجبت وقعت - لا يصح، وليس ذلك مذهباً، ولهذا إذا أمتنع المُولي من الفيئة، وجب عليه أن يطلق، ولا يقع الطلاق قبل تطليقه. وكذا إذا رأى الحكمان في باب النشوز الطلاق، كان التطليق واجباً، ولا تطلق بنفس وجوب التطليق. وأما في باب اللعان، فلا نقول بأن الفرقة وقعت بوجوبها، بل تقع بكمال ألفاظ اللعان.
قالى: ومن أصحابنا من قال: إن قلنا: إن الفرقة لا تقع، لكن كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها تلقياً من قوله سبحانه: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} الأحزاب: ٢٨. وظاهرهُ وجوبُ الفرقة، وقد تحقق أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلا يناط بالأقيسة التي تناط بها أحكام العامة، وإنما يتبع فيها موارد الشرع من غير زيادة.
وذكر الخلاف في خصائصه خبطٌ، لا فائدة فيه؛ لأنه لا يتعلق بها حكم ناجز تمس الحاجة إليه، وإنما نجتهد فيما لا نجد بداً من إثباته أو نفيه، وما خلا منه تهجّم على الغيب من غير ثمرة.
وانبنى على هذا أنه هل كان يلزمهن الجواب على الفور؟ فقيل: إن قلنا: إن الفرقة تقع بنفس الاختيار، اقتضى أن يكون الجواب على الفور، على قولٍ، كما لو خير أحدنا زوجته، ففي وجوب الاختيار على الفور قولان. قالى: وهذا في نهاية الضعف؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "ولا تبادريني بالجواب حتى تستأمري أبويك". فإن قيل: ما كان لها ذلك تخييراً ناجزاً، قلنا: فلم اكتفى به صلى الله عليه وسلم في جواب التخيير؟ فلا حاصل لذكر الخلاف فيه.
وإن قلنا: لا تحصل الفرقة بنفس الاختيار، فلا يلزمهن الجواب على الفور، وهو الصحيح.
ولما اخترن الله سبحانه ورسوله والدار الآخرة جازاهنّ الله سبحانه، فحرم عليه