فإن قلنا: في مسألتنا يرتفع العقد من غير حاجة إلى رفع، فلا كلام. وإن قلنا: لابد من إنشاء الفسخ؛ فمن ينشئه؟ هذا فيه فضل نظر. فإن رفعوا الأمر إلى السلطان، وفوضوا إلى رأيه، ففسخ، نَفَذ، ولا كلام.
وإن طلق الزوجان، انبتَّ ما كنا نقدره من عقد إن كان، ولكن يُعقب هذا إشكالاً في المهر، سنذكره، إن شاء الله تعالى.
وإن لم يطلقها، وأراد كل واحد منهما أن يفسخ من غير رفع إلى مجلس الحكم، وإنما يؤثران الفسخ حتى يسقط المهر إذ ثبت، فكيف السبيل فيه؟ والمرأة بنفسها لو أرادت الفسخ، فإنها المطلوبة بالعقد المسترقة به، فكيف السبيل؟ من أصحابنا من قال: لا ينشىء الفسخ إلا الحاكم أو محكّم إن رأينا التحكيم؛ فإن هذا تعيين لمكان إشكال في مظنة لَبْس، والواقعة حَرِيَّةٌ بالاحتياج إلى مجتهد ناظر، ولأمثالها انتصب القضاة فياصلَ في الخصومات، هذا وجه. وإليه ميل الصيدلاني في مجموعه (١).
ومن أصحابنا من قال: للمرأة أن تفسخ من غير حاجةٍ إلى الرفع إلى السلطان؛ فإنها تفسخ النكاح بتعذر الاستمتاع بالجَبّ. وإن كان يبقى نوع من التمتع في المجبوب، فلأن نُثبت لها الفسخ بالإشكال الذي لا رفع له أولى.
ومن أصحابنا من قال: لها الفسخ كما ذكرنا.
وللزوجين أن يفسخا أيضاًً، كما يفسخان برقها؛ فإن الإشكال شمل جماعة، فانتظم من هذا خلاف: من الأصحاب من قال: الفسخ إلى القاضي لا غير.
ومنهم من قال: للمرأة أن تفسخ، وليس للزوجين الفسخ.
ومنهم من أثبت لها وللزوجين الفسخ، ولم يشترط أحد اجتماعهم، فيكون فسخَ تراضٍ. هذا منتهى القول في صورة واحدةٍ من القسم الذي نحن فيه، وهو إذا اقترن الإشكال ولم يطرأ (٢) على بيان.
(١) هذا الوجه هو المعتمد، قال عنه الرافعي: هو الأشبه (ر. الشرح الكبير: ٨/ ٦)، والنووي: الأصح (ر. الروضة: ٧/ ٨٩).
(٢) لم يطرأ على بيان: المعنى أن الإشكال اقترن بوقوع العقدين، ولم يطرأ بعد معرفة سَبْق أحدهما ثم أشكل السابق بعد العلم.