والذي ذهب إليه معظم الأصحاب: أن اختلاف النصين محمول على اختلاف حالين: فحيث حرّم، ظن أنهم مخالفون لليهود والنصارى في أصول دينهم، وحيث نص على التحليل، ظن أنهم ليسوا مخالفين لهم في أصول دينهم، وإنما خالفوهم فيما يجري من دينهم مجرى الفروع من ديننا، ولم يُجر أحد من الأصحاب قولين على ظاهر (١) اختلاف النصين إلا الشيخ أبو علي؛ فإنه حكى أن من الأصحاب من أجرى القولين.
وحاصل القول في ذلك: أنهم إن لم يخالفوا اليهود والنصارى في أصول الدين، فهم ملتحقون بالذين وافقوهم في أصل الدين، ولا يجوز أن يكون في ذلك خلاف.
وإن صح أنهم خالفوهم مخالفةً لو فرض مثلها في ديننا، لأوجب تكفيراً (٢)، فليسوا من اليهود ولا من النصارى، ولا تحل مناكحتهم وذبيحتهم.
وإن جرت مخالفتهم لهم (٣) مجرى مخالفة أهل البدع لعصابة الحق في ملة الإسلام، فهذا محتمل، وعليه ينزّل ما حكاه الشيخ أبو علي من القولين، وليس هذا تعريضاً منا بتحريم مناكحة أهل البدع؛ فإن الذي أقطع به: جواز مناكحتهم، والقول في التكفير والتبري غائصٌ بعيد الغور، ولسنا له الآن.
وسر المذهب أن البدع فينا وإن لم تحرِّم، فهي في الأولين على التردد، والسبب فيه: أنا لم نكفر أهل البدع فينا - تعلقاً بالسمع، ولم يتحقق لنا مثل هذا السمع من الأولين، ثم الذي بلغنا من مذهبهم: أنهم خارجون عن ضبط المِلَل (٤) إلى اعتقاد إضافة الآثار إلى الأنجم، ومصيرهم إلى التعطيل، ونفي الإله المختار. هذا ما نقله النقلة عنهم، فإن صح، فهم معطلة يجرون مجرى الزنادقة. ولا نقبل منهم الجزية.
وإن لم يصح هذا، ورأيناهم ينتمون إلى اليهود، أو إلى النصارى، وتعارض لنا في حقهم التعطيل وقبول المسألة، فلا مناكحة، وسبيلهم في قبول الجزية منهم كسبيل
(١) زيادة من (ت ٣).
(٢) في النسختين: تكثيراً. والمثبت اختيار منا.
(٣) في الأصل: له.
(٤) في الأصل: "الملك".