محدثاً على نفسه، ويتيمّم؛ فإن الإيثار إنما يسوغ في حظوظ الأنفس والمُهَج، لا فيما يتعلق بالقُرب والعبادات.
٢٩٨ - ثم قال الشافعي (١): لو كان للرجل ماءٌ، فمات، ورفقاؤه يحتاجون إليه لسِقاههم (٢)، ولو غسلوا الميت بمائه، لخافوا، قال: شربوه، ويمموا الميت، وأدَّوْا ثمنَه في ميراثه.
فإن قيل: أليس الماء من ذوات الأمثال، فهلَاّ غرموا المثل لورثته؟ قلنا: المسألة مفروضةٌ فيه، إذا كان شربوا الماء في البادية، وله قيمة، وبلدةُ وَرَثَتِه لا قيمة للماء بها، فلو أدَّوْا الماءَ، كان ذلك إحباطاً لحقوقهم، فإذا كان كذلك، فإنهم يغرمون له قيمةَ البادية وقت الإتلاف.
والقول في أن ذوات الأمثال كيف تغرم، في غير مكان الإتلاف، من غوامض أحكام الغصوب، وسيأتي ذلك في موضعه. وهذا الرمز مثالٌ اشتمل عليه كلام الشافعي، وإلا كنّا لا نرى ذكره.
فرع:
٢٩٩ - الجنب إذا تيمم، وصلى الفرض، وقلنا: له أن يصلي من النفل ما شاء، فلو أحدث، ثم وجد من الماء ما يكفيه لوضوئه، فتوضأ به. قال العراقيون: له أن يتنفل؛ لأن التيمم المتقدِّم، كان أباح له النوافل، وانحسم التنفل بالحدث الطارىء، وقد ارتفع الحدث بالوضوء، فعاد بعد الوضوء إلى ما كان عليه قبل الحدث، وكان يسوغ له أن يتنفل إذ ذاك.
وهذا الذي ذكروه (٣) فيه نظر.
والوجه في ذلك أن يقال: الوضوء مع الجنابة لا أثر له، ولا يتضمن رفعَ الحدث الطارىء، ووجوده وعدمه بمثابة، فإذا طرأ الحدث، ثم وجد ماء قليلاً، فيخرّج
(١) ر. المختصر: ١/ ٣٨ والكلام بمعناه.
(٢) كذا في النسخ الأربع، ولعل لها وجهاً من لهجات العرب في قلب الهمزة هاءً، وإلا فكيف اتفقت النسخ كلها على هذا التصحيف؟ ثم هي من كلام الشافعي، والشافعي تؤخذ منه اللغة.
(٣) في الأصل: " ذكره " والمثبت تقدير منا، وقد صدقتنا نسخة (م)، (ل).