وهذا من ركيك الكلام؛ فإن القوة الدافعة ليست أمراً محسوساً، وهي متلقاة من حكم الشارع بالقلتين.
فهذا ما يحوي ما ذكره الأصحاب في طرقهم. والصحيح ما حكيناه عن الصيدلاني.
فصل.
٣٠٣ - الماء المستعمل في طهارة الحدث طاهرٌ غيرُ طهورٍ في ظاهر مذهب الشافعي.
ومعتمد المذهب أن سلف الأمة في الأسفار وإعواز الماء كانوا لا يجمعون المياه التي يستعملونها في ظروفٍ؛ حتى يستعملوها ثانيةً، بل كانوا يبددّونها، ولا يرد على ذلك أنهم كانوا لا يشربونها مع طهارتها؛ فإن ذلك يُحمل على العيافة التي جُبلت النفوس عليها (١)، ولا يجوز تركُ الاحتياط للطهارة الشرعية بمثل ذلك.
ومذهب مالك (٢) أن المستعمل طهور يجوز استعماله، وحكى عيسى بن أبان (٣) قولاً للشافعي مثل مذهب مالك.
وقد غلّطه بعضُ أصحابنا في نقله، وقالوا: لعل الشافعي، كان يذبّ عن مالك، ويرُدّ على من يحاول الرد عليه، وظن عيسى أن مذهبه ما ينصره. ثم إن صحّ هذا مذهباً له، فيجوز استعمال المستعمل ما لم يتغيّر، فهذا مذهب مالكٍ.
ثم كان شيخي يقول: أدنى تغيّر يخرجُه عن كونه طهوراً، وهذا جارٍ على قياسه في أن أدنى تغير بالزعفران وغيره يسلب طهوريّةَ الماءِ، ونحن إذا شرطنا تفاحشَ التغيّر وظهورَه، حتى يستجدّ الماءُ اسماً جديداً، فنقول: الماء لا يتغير بملاقاة البشرة
(١) ر. الدّرّة المضية، مسألة: ٢٤.
(٢) ر. عيون المجالس للقاضي عبد الوهاب: ١/ ١٦٢ مسألة: ٣٧، وحاشية الدسوقي: ١/ ٤١، جواهر الإكليل: ١/ ٧.
(٣) عيسى بن أبان بن صدقة: أبو موسى، القاضي، من كبار فقهاء الحنفية، توفي سنة ٢٢١ هـ، (ر. الجواهر المضية في طبقات الحنفية: ١/ ٤٠١).