ثم لا يخفى على ذي بصيرة أن المعنى لا يتطرق إلى العدد، والحدّ بها، ولا إيجاب استعمال التراب، وإذا لم يكن المنصوص عليه معقولَ المعنى، فالوجه الاعتماد على مورد النص، ثم نُلحق به ما في معناه، مما لا يُحتاج فيه إلى استنباط معنىً جامع، وقد يَبْعُد الشيءُ بعضَ البعد عن المنصوص عليه، فيتردد المذهب فيه أولاً (١).
وبول الكلب، ورجيعه (٢)، ودمه، وعرقه في معنى لعابه قطعاً؛ فإن اللعاب رشحٌ مما هو في حكم الطاهر فيما يتعلق بالطهارة والنجاسة، فلا فرق بينه وبين العرق، فإذا لاح هذا في العرق، فالبول والرجيع بهذا أولى.
ثم مذهب الشافعي أن الكلب إذا كرع (٣) في ماء قليل، فهو كما لو ولغ فيه؛ فإنه إذا تقرر أنَّ داخل الفم كالظاهر، فالظواهر بجملتها على قضية واحدة.
٣٢٩ - واختلف قول الشافعي في الخنزير، فقطع بنجاسته، وردّد القولَ في إلحاقه بالكلب، حتى تزال نجاسته، بما تزال به نجاسة الكلب.
فالأصح عند العراقيين أنه كالكلب؛ فإنه منصوصٌ عليه في كتاب الله عز وجل تحريماً، وذلك مجمع عليه فيه، وليس منتفعاً به بوجهٍ، بخلاف الكلب، فإذا ثبت في الكلب التعبّد برعاية العدد والتعفير، فالخنزير أولى.
والقول الثاني - أن المنصوص عليه لا يتعدَّى، وقد ينقدح للناظر أن للشارع غرضاً في تخصيص الكلب بما ذكر من التغليظ، زجراً عن مخالطته؛ فإن زواجر الشرع تختصّ بما تألفه النفوس؛ ولذلك اختص الحد بشرب الخمر، دون غيره من المحرّمات. فهذا بيان القاعدة.
= ماجة، وأبو داود، والترمذي، والدارمي، عن أبي هريرة، وعبد الله بن مغفل، وعبد الله بن عمر، وعلي بن أبي طالب، وبلغت طرقه عن أبي هريرة عشراً، كلها صحيحة، والاختلاف في "إحداهن بالتراب" (ر. إرواء الغليل: ١/ ٦٠ ح ٢٤، التلخيص: ١/ ٢٣ ح ٩).
(١) أولاً: أي ثم يستقر بعد النظر. والمثبت عبارة (م) ففي الأصل " .. فيه ولا بول .. " و (ل): "أو لا بول".
(٢) الرجيع: الروث.
(٣) كرع يكرَع بالفتح: تناول بفيه، أما الولوغ، فيكون باللسان.