النكاح، وثبوتُ مهر المثل؛ جرياناً على ما قدمناه من أن الخلل في الصداق لا يؤثّر في النكاح.
وذكر أئمتنا قولاً آخر، واختلفوا في كيفية نقله، فقال قائلون: القول الثاني- إن النكاح لا يصح- وإليه أشار القاضي- ووجهه- على بُعده-، أن النكاح بدون مهر المثل لا يكون معقوداً على حكم الغبطة، والعقود إذا لم تتصف بالغبطة مردودة من الولي المجبِر.
وقال قائلون: الأول (١) في صحة النكاح، والقول الثاني في صحة الصداق، وإن كان قاصراً؛ فإن الأب لا يتهم في حق طفله.
ومن وجوه الرأي: إذا كان الخاطب كفؤاً مرغوباً فيه، احتمل (٢) وَكْسُه في المهر. وهذا يخرج على قول الشافعي في أنَّ الذي بيدهِ عقدة النكاح هو الولي، وقد يجوز على هذا القول عفوه عن المهر وإسقاطه.
وإذا جمعنا وجوه تزويج الأب، قلنا: إذا زوّجها من كفئها بمهر مثلها، فقد نظر لها ولا معترض عليه، ولو كان يطلبها كفء بأكثر من مهر مثلها، فزوّجها الأب من كفء اَخر بمهر مثلها، فلا معترض عليه.
ولو طلبها كفء مماثل، ورجل نبيه شريف القدر، فزوّجها من مماثلها، جاز، ولا معترض، وليس هذا كالتصرف في المال؛ فإنه إذا طُلبت سلعةٌ للطفل بأكثر من قيمة المثل، لم يسُغ بيعُها إلا بالأكثر، والسبب في ذلك أن عقود المواصلات تنطوي
(١) في الأصل: " الطلاق "، وهو تصحيف لا شك.
وعبارة العز بن عبد السلام في مختصره: " وإن زوج المجبر بأقلَّ من مهر المثل، فالمذهب صحة النكاح، ولزوم مهر المثل، وفيه قولٌ حمله بعضهم على بطلان النكاح، وحمله آخرون على صحة الصداق، وقطعوا بصحة النكاح، وبنَوْا ذلك على جواز عفو الولي عن الصداق ". (ر. الغاية في اختصار النهاية للعز بن عبد السلام: ج ٣/ لوحة رقم ٨٨ يسار).
هذا. ولم أصل إلى المسألة في وسيط الغزالي ولا بسيطه، ولا الشرح الكبير للرافعي، ولا الروضة للنووي.
(٢) في الأصل: احتمله.