٣٥١ - توجيه القولين: من قال يجب التباعد، استدلّ بأن أثرَ كثرة الماء دَفْعُ النجاسةِ ومغالبتُها، وإذا وقع الاغتراف من قرب النجاسة، فالماء الذي وراء المغترف لا أثر له في الدفع، وإذا كان بين المغترف وبين النجاسة قلتان، امتنع نفوذ النجاسة إلى موضع الاغتراف.
ومن قال بالقول القديم، قال: النجاسة في الماء الكثير الراكد لا أثر لها، ووجودها كعدمها، وهى مدفوعة الحكم، ولو حكمنا بنجاسة قلتين من كل جانب منها، فيكون الاغتراف متصلاً بماء محكوم بنجاسته، والماء يشيع في الماء، فإذا جاز الاغتراف من ماءٍ متصلٍ بماء نجس، فلأن يجوز من ماء قريب من نجاسةٍ جامدةٍ أولى.
٣٥٢ - ثم مما يتفرّع على القولين: أنا إذا أوجبنا التباعد بقدر قلّتين، فلا بد من رعاية التناسب في الأبعاد في صوب التباعد، فإذا كانت النجاسة على وجه ماء البحر، فتباعد المرء ذراعاً، فلا يحسب الماء إلى منتهى العمق، بل يحسب ذراعاً في ذراع طولاً وعرضاً وعمقاً، فلا يزال يتباعد على هذه النسبة حتى يبلغ ما يخلِّفه قلتين.
وإنما راعينا هذا؛ لأن العمقَ الخارج عن هذه النسبة لا يصلح أن يكون حاملاً، ولو كان الماء الكثير منبسطاً وعمقه شبراً (١)، فإذا تباعدنا مقدار أذرع (٢)، اعتبرنا مثلها في العرض ولم نصادف عمقاً يناسب الطول والعرض، فنحسب ما وجدنا (٣)، فنقول: خمسة أذرع في مثلها في عمق شبرٍ لا (٤) يكون قلتين، فلا نزال نزيد حتى يبلغ ما نخلِّفه قلتين، وعلى هذا ما يصوَّر من الصور.
٣٥٣ - ثم إذا كان الماء قلتين بلا مزيد، فوقعت فيه نجاسة قائمة، فالماء محكوم بنجاسته على قول وجوب التباعد، ولا يكون نجساً على القول الآخر.
(١) كذا. وهي على تقدير وكان عمقه شبراً، فتقع (شبراً) خبر لكان المقدرة وفي (ل): شبرٌ.
(٢) في الأصل: ذراع، والمثبت من (ل).
(٣) ما بين المعقفين غير مقروء في الأصل، وقدرناه على ضوء السياق، وما بقي من ظلال الحروف، وقد وجدناها طبق الأصل في (م) و (ل).
(٤) غير مقروء في الأصل، والمثبت من (م)، (ل) حيث كنا قدرناها (هل).