فهو الوجه، والماء الذي ينبع جديداً طهور.
وإن كانت العيون فوّارةً غزيرة، وكان لا يتأتى نزفُها، فالوجه الإمعان في نزف الدّلاء وِلاءً وتباعاً، بحيث لا تسكن الجمّة عن تحرّكها بالدلو الأولى حتى تلحقَها الثانية، ثم هكذا، حتى ينزح مثل جمّة البئر. هذا ما ذكره.
والاستظهار عندي في هذا المسلك أن يُنزحَ بهذا الطريق مثلُ ماء البئر مراراً، فيصير النزح المتدارك، مع حركة الماء ودفعه أجزاء النجاسة، كالماء الجاري، فالعيون تفور بمياه جديدة، فتدفع النجاسات وهي تنزح، فتطهر. وهذا مسلك بين في دفع النجاسة.
٣٥٩ - فإن أراد الإنسان أن يقف منه على حقيقةٍ، اتخذ طاساً مثقوباً وسدّ ثُقبته، وصبّ فيه مقداراً من الماء، ووضعه على ماء في مِركن (١) وفتت فيه شيئاً، وفتح الثُّقبة، وهي مثال العين الفوارة، ثم يتخذ آلةً في نزح الماء عن الطاس على مثال الدَّلو، بالإضافة إلى ماء البئر، فلا يزال ينزح، والماء يفور، وهو يقدّر ما يخرجه، وقد تقدر عنده ماء الطست (٢) أولاً، فهو دائب كذلك، حتى لا يبقى مما فتته شيء، وقد صفا الماء، فيتخذ ذلك دستوره في ماء البئر. ويقيس فوران العيون وجَمّةَ البئر، وما ينزحه، بما ضربته مثلاً.
ولا يكاد يخفى على الفطن إتعابُنَا أنفسنا في تقريب مدارك الحق على طالبيه.
٣٦٠ - ثم يتم مقصود الفصل بشيء مأخذه الفقه، وهو أن الماء الذي فيه الكلام كثير، زائد مثلاً على قلل، وهو غير متغير في جوهره، فكل دَلْو يخرجه ولا نجاسة فيه، فهو طاهر، ولو غلب على ظنّه أنه لا يخلو دَلو عن شيء من النجاسة المتشَتِّتة، ولم يقطَعْ به، فعندي يخرج الماء على القولين المقدمين فيما يغلب على الظن نجاسته، فإذا أكثر النزحَ، زال غلبةُ الظن في النجاسة، فإذا كان لا يرى أثر النجاسة في المنتزح، فهذا ما لم يستيقن نجاستَه، ولم يغلب على الظن أيضاً نجاسته، فيجوز
= اللغة لابن فارس، وفي الهامش أيضاً: " وجمة البئر المكان الذي يجتمع فيه ماؤه. (مجمل) ".
(١) المركن: وعاءٌ تغسل فيه الثياب. (المصباح والمعجم).
(٢) " الطست " المراد به " المركن " الذي ذكره آنفاً.