والوجه الثاني - ذكره شيخي، كان يحكي: إن من أصحابنا من لم يرع للنجاسة على الماء الجاري حريماً، وجوَّز الاغتراف من قربها، كما يُجوِّز ذلك في الماء الراكد، وجعل جريان الماء في دَفْع (١) حكم النجاسة القائمة، ككثرة الماء الراكد، وهذا غريب ضعيف لا نعدّه من المذهب.
وهذا كله في النجاسة القائمة إذا كانت تجري جَرْيَ الماء.
٣٦٥ - وأمّا إذا كانت النجاسة واقفة، والماء يجري عليها، فالقول فيما وراء النجاسة وفوقها كما مضى، والقول فيما عن يمين النجاسة ويسارها، كما ذكرناه.
وإنما يختلف التفريع فيما ينحدر عن النجاسة، فقال العلماء: قدر القلتين مما ينحدر نجس، وأما ما وراء القلتين مما ينحدر، ففيه اختلاف مشهور:
ذهب صاحب التلخيص إلى أنه طاهر؛ فإن النجاسة يتلاشى أثرها، ويزول في مقدار القلتين، فما وراء ذلك طاهر.
وقال ابن سريج: كل ما ينحدر عن النجاسة نجسّ، وإن امتدّ الجدول فراسخ، إلا أن يُجمع في حوض مقدارُ قلتين، ويثبت له حكم الركود، فيطهر، ثم ما يخرج من الحوض طاهر، ووجه ذلك ظاهر. وهو الذي أفتى به المفتون.
والذي يجب الاعتناء به أنّا ذكرنا أن ما عن اليمين واليسار إذا كان بعيداً لا يصدم النجاسة، فهو طاهر. والظاهر أنه لا يجب اعتبار القلّتين فيما عن اليمين واليسار، فإذا انحدر الماء، فكيف يحكم ابن سريج بنجاسة جميع الماء المنحدر؟ قلنا: إذا امتدّ الماء، كثر اضطراب الماء، والتقت الحواشي على الأوساط، وانعكست الأوساط على الشطين، فيصير الكل كالشيء الواحد.
ولا يبين هذا ما لم يكقل الفصل. وإذا انتهيت إلى ما أراه تتمةً لهذا الفصل، نبهت عليه، إن شاء الله عز وجل.
وهذا قانون المذهب في أصله.
قال صاحب التقريب في النجاسة الواقفة: من أئمتنا من قال: يُراعى فيما فوق
(١) ضبطت في الأصل: دُفَع (جمع دفعة)، وفي (ل): في التأثير في دفع الماء.